لندن – جسور – سماح ممدوح حسن
أعلنت الحكومة البريطانية، برئاسة رئيس الوزراء كير ستارمر، عن سلسلة من التعديلات الجوهرية على مشروع قانون الرعاية الاجتماعية الجديد، وذلك في محاولة لاحتواء تمرد برلماني غير مسبوق، داخل حزب العمال، حيث هدد أكثر من 120 نائبًا من الحزب بالتصويت ضد مشروع القانون، خلال الجلسة المرتقبة الأسبوع المقبل.
جاء الإعلان عن التعديلات بعد 24 ساعة، من المفاوضات المكثفة، بين قيادات النواب المتمردين ومسؤولي الحكومة، ووجّهت ليز كيندال، وزيرة العمل والمعاشات، رسالة إلى نواب حزب العمال مساء الخميس، كشفت فيها عن أبرز التنازلات التي توصلت إليها الحكومة.
وأوضحت كيندال أن الحكومة قررت إعفاء جميع الأشخاص الذين يتلقون حاليًا إعانات الإعاقة من التغييرات المقترحة في القانون، بالإضافة إلى زيادة مخصصات الصحة في برنامج “الائتمان الشامل” (Universal Credit) بما يتناسب مع معدلات التضخم. كما تعهدت بإطلاق مراجعة شاملة لنظام “مدفوعات الاستقلال الشخصي” (PIP)، وزيادة الميزانية المخصصة لبرامج دعم العودة إلى العمل.
وقدّرت مؤسسة “ريزوليوشن فاونديشن” للأبحاث الاقتصادية، أن هذه التعديلات ستكلف الحكومة نحو 3 مليارات جنيه إسترليني، يُرجح أنها ستُعوّض من خلال زيادات ضريبية.
وفي رسالتها، أكدت كيندال: “لقد استمعنا إلى زملائنا الذين يدعمون مبدأ الإصلاح، لكنهم يشعرون بالقلق من تأثير وتيرة التغيير على الأشخاص الذين يعتمدون بالفعل على النظام الحالي”. وأضافت: “هذه الحزمة الإصلاحية تحقق التوازن بين الحفاظ على نظام الضمان الاجتماعي للأشخاص الذين يحتاجون إليه، وضمان استدامته ماليًا، ودعم العائدين إلى سوق العمل، وحماية من لا يستطيعون العمل، وتقليل القلق لدى المستفيدين الحاليين”.
من جانبها، وصفت ميج هيلير، رئيسة لجنة الخزانة في مجلس العموم، والتي قادت حركة التمرد داخل الحزب، هذه التعديلات بأنها “تغيير كبير لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة”، مضيفةً في تصريحات لراديو بي بي سي 4: “لقد تلقيت بالفعل العديد من الرسائل من أشخاص يشعرون أن هذه خطوة إيجابية للغاية. وإذا نظرنا إلى أين كنا في بداية الأسبوع، فهذا تطور مهم ويبعث على الاطمئنان”.
وكان أكثر من 120 نائبًا من حزب العمال قد وقعوا على تعديل يطالب بتجميد مشروع القانون إلى أجل غير مسمى، بسبب مخاوف من تأثيره على الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة أن الحكومة كانت تخطط لتوفير 5 مليارات جنيه إسترليني من خلال هذه التغييرات، وهو ما كان سيجعل الحصول على “مدفوعات الاستقلال الشخصي” أكثر صعوبة.
ورغم التعديلات، أبدى عدد من النواب المتمردين استمرارهم في معارضة بعض البنود، محذرين من خطر خلق نظام “بمستويين” يميز بين المستفيدين الحاليين والجدد. وقال أليكس سوبل، النائب عن حزب العمال، في تصريحات لبرنامج “نيوزنايت” على قناة BBC Two: “سواء كنت قد مصاب بإعاقة منذ الولادة، أو قبل خمس سنوات، أو حتى غدًا، يجب أن تكون المعاملة متساوية للجميع”.
كما أعربت النائبة نادية ويثوم عن رفضها للصفقة، قائلة عبر حسابها على منصة “إكس”هذه التنازلات غير كافية ويجب أن تقلقنا جميعًا. إذا أصبحتَ معاقًا غدًا، قد لا تحصل على الدعم الذي تحتاجه”.
وفي السياق نفسه، قالت النائبة راشيل ماسكل عن دائرة “يورك سنترال”: “أنا وكثيرون غيري لا يمكننا قبول هذه الصفقة التي أُبرمت خلف الأبواب المغلقة”.
ومع ذلك، أشارت مصادر برلمانية إلى أن جميع رؤساء اللجان البرلمانية الذين وقعوا على التعديل قد أعلنوا دعمهم للحكومة بعد هذه التغييرات، وهو ما يُرجّح أن يدفع المزيد من النواب المعتدلين إلى التصويت لصالح القانون.
على صعيد المجتمع المدني، رحبت بعض الجمعيات الخيرية المعنية بذوي الإعاقة بهذه التعديلات. وصرحت جاكي أوسوليفان، مديرة الاستراتيجية في مؤسسة “مينكاب” المعنية بذوي الإعاقات الذهنية “هذا هو القرار الصائب، ويوجه رسالة واضحة مفادها أن خفض إعانات ذوي الإعاقة ليس طريقة عادلة لسد عجز الميزانية العامة”.
في المقابل، أبدت جمعية التصلب المتعدد (MS Society) قلقها، ووصفت الإجراءات بأنها “تأجيل لكارثة حتمية”.
من جهتها، أبدت الحكومة ثقتها في تمرير مشروع القانون خلال الجلسة القادمة يوم الثلاثاء. وقال ستيفن كينوك، وزير الصحة، في تصريحات لبرنامج “بي بي سي بريكفاست”: “أنا واثق من أن مشروع القانون سيمر يوم الثلاثاء وسينال القراءة الثانية”. وأضاف: “نحن أيضًا نقوم بتغيير نظام الائتمان الشامل للأفضل، بما يمنح الناس أكبر زيادة في الدعم منذ ثمانينيات القرن الماضي، ونتخلص من إعادة التقييمات الدورية للأشخاص الذين من الواضح أنهم غير قادرين على العمل، كل ذلك لن يتحقق إذا لم يتم تمرير القانون الثلاثاء المقبل”.