لا يمكن الحديث عن التمكين الحقيقي لذوي الاحتياجات الخاصة دون الوقوف أولًا عند نقطة البداية الجوهرية: الإيمان المطلق بقدرتهم على التغيير وصناعة الأثر. فالمجتمع الذي لا يؤمن بقدرات أفراده، مهما اختلفت ظروفهم، يفقد واحدة من أهم أدوات تقدمه ونهضته الإنسانية.
نحن في “جسور”، لا ننظر إلى الإعاقة باعتبارها حالة نقص، بل نراها شكلًا من أشكال التنوّع الإنساني الذي يجب أن نحتضنه لا أن نُقصيه، وندرك تماما أنها ليست نقصًا في القدرة، بل هي اختلاف في الطريقة، وميزة تمنح صاحبها منظورًا فريدًا للحياة، وتجربة إنسانية لا يملكها الآخرون، ونؤمن أنها قد تُقيّد حركة، لكنها تُطلق إرادة.
ورغم أنها قد تغير شكل الطريق، إلا أنها لا تمنع الوصول.
لذا..لم تكن مبادراتنا مجرد برامج موسمية أو دعم تقليدي، بل كانت وما تزال وستظل منصات للتغيير الجذري، نؤمن من خلالها أن التمكين ليس مساعدة، بل شراكة عادلة تُبنى على الاحترام والتكافؤ.
فكم من شخص من ذوي الهمم حوّل تحدياته إلى أدوات للإبداع، وصنع من قصته مصدر إلهام للبشرية.
فالفتاة من ذوي الإعاقة الحركية تصدرت المشهد الإعلامي، والشاب الكفيف أصبح أفضل من يقود حوارًا فكريًا ملهمًا.
لقد أثبتت تجاربنا في الميدان، من الورش إلى الحملات، ومن القصص الحقيقية إلى المنصات الإعلامية، أن التغيير الحقيقي لا يتحقق بالشعارات، بل بـالوعي، والإرادة، والتصميم الذكي على صناعة بيئة تُركّز على الفرص لا العوائق، وعلى الإمكانات لا الإعاقات.
أدركنا مبكرا أن التمكين لا يبدأ من الخارج فقط، بل من الداخل أيضًا… من نظرة الشخص لذاته، وثقته في قدرته، ومن نظرة المجتمع إليه.
لهذا، كانت كل مبادرة نطلقها تحمل رسالة مزدوجة، خفية وواضحة في آن واحد: “أنت قادر… ومجتمعك معك.”
نحن لا نطالب بتغيير ذوي الهمم فالإعاقة ليست عائقًا، بل ميزة تُفجّر طاقات داخلية لا تظهر إلا في وجه التحدي.
كل ما نطلبه وهو ليس بالعسير..تغيير الطريقة التي يُنظر إليهم بها. فالمشكلة ليست في الإعاقة، بل في البيئة غير الداعمة، والسياسات غير الشاملة، والثقافات التي ما زالت تختزل الإنسان في جسده لا في روحه وعقله وموهبته.
بقي أن نقول أنه لا يمكن لأي رؤية أن تتحقق دون أن تتجذر في أرض الوعي المجتمعي، وتُسقى بإرادة وطنية حقيقية.
لذلك، نؤمن في “جسور” أن كل مبادرة نطلقها هي بذرة أمل، وغرسًا في تربة هذا الوطن، لنصنع مستقبلًا تتساوى فيه الفرص، وتعلو فيه قصص النجاح…
لا بالعطف والشفقة، بل بالعدالة والاعتراف بالكرامة.
امنحوهم البيئة المناسبة والدعم اللازم، ولن يشاركوا فقط… بل سيقودون العالم.
حنان العنزي
مؤسسة ورئيس مجلس إدارة جَسور