مرضت بالحمى الشوكية وهي طفلة لم تتجاوز السابعة، وحين اشتد المرض دخلت في غيبوبة تامة، صحت منها لا تسمع شيئًا، ومنذ ذلك الحين خاضت رحلة شاقة مع عالم تراه ولا تسمعه.
الدكتورة حنان محسن التي انتصرت بالعلم على الإعاقة، فكانت أول صماء مصرية وعربية تحصل على الماجستير من جامعة “جاليوديت” الأمريكية، كتبت الصحف عن حنان محسن منذ أكثر من خمس وأربعين عامًا، كانت وقتها أول طالبة صماء صمًّا تامًّا تنجح بتفوق في الثانوية العامة، وبتحدي الأبطال عبّرت عن حلمها بدراسة اللغة العربية بكلية دار العلوم.
كانت حنان محسن الطفلة، محل اندهاش لمن حولها لفرط ثقتها بنفسها، وتحديدها لأهدافها رغم صغر السن وقيود الإعاقة، وبجانب تفوقها الدراسي، فهي أيضًا بطلة من أبطال الجمهورية في السباحة وألعاب القوى ولاعبة بمنتخب الجامعات.

تخرجت حنان وكانت أول معلمة صماء حاصلة على ليسانس اللغة العربية، والدراسات العليا في العلوم الإسلامية، وكما أصرت منذ بداية الإصابة على الالتحاق بمدارس التربية الخاصة، أصرت بعد التخرج على العمل بها نفسها.. وبتوفيق الله وجهدها وصل صداها إلى وزارة التربية والتعليم وقتها، والتي طلبت نقلها إلى الوزارة ليستفيد منها مجتمع الصم.
تروي حنان حكايتها لـ”جسور” قائلة: “أُصبت بالحزن الشديد حين أصر الأطباء على التحاقي بمدرسة الأمل للصم وتعلم لغة الإشارة، وهذا سبب إصراري على العمل مع هذه الفئة لإصلاح واقعها بعد أن حصلت على أول دورة تدريبية متخصصة لمعلمي الصم من جامعة “جاليوديت” الأمريكية، وأصبحت من أهم مدربي لغة الإشارة، وطرق تعليم وتربية الصم وضعاف السمع، وواضعة للعديد من القواميس المتخصصة في هذه اللغة مع جامعة الدول العربية.
وتضيف: في الوقت نفسه كنت رئيسًا للجنة رياضات الصم بالاتحاد المصري لرياضة المعاقين، الذي أصبح اللجنة البارالمبية حاليًا، وعلى يدي أصبح لمصر عضوية دائمة بالاتحاد الدولي لرياضات الصم، والاتحادات العربية الخاصة بالصم، كما ساهمت في تطوير معهد الأمل للصم بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتستطرد: “دفعتني رغبتي العارمة في تطوير نظم حياة وتعليم الصم وضعاف السمع للسفر إلى الولايات المتحدة، لنفس الجامعة التي أهلتني في البداية كخبير ومتخصص في لغة الإشارة، وعدت أدرس بها من جديد، وكنت أول صماء عربية تحصل منها على الماجستير في الإدارة العامة والعلوم السياسية، ولأول مرة يرتفع علم جمهورية مصر العربية في رحاب وقاعات هذه الجامعة العريقة طوال تاريخها الممتد لأكثر من ٢٠٠ عام”.
وتؤكد حنان: ” إن الإصرار على التفوق في كل خطوة وراءه مشقات لا تنمحي.. الإيذاء النفسي والتنمر والمنع ومحاولات الإحباط الشديدة مشاعر مؤلمة لم تفارقني، ولكنها كانت دافعًا للإصرار على البقاء والتعلُّم، فقد عانيت كثيرًا من المنع مما يقدم لغيري من المعلمين من مميزات مثل الإعارة، والمشاركة في الدورات التدريبية الخارجية، والكثير من العلاوات والحوافز والإثابة بسبب إعاقتي، ولكن في الوقت نفسه سعيدة جدًّا بما تقدمه الحكومات العربية حاليًا لذوي الإعاقة من الجيل الجديد، وهي أحلام قاتلنا طويلًا من أجلها، فلم يعد هناك قانون يمنع الصم من الالتحاق بالتعليم العام، ولا قوانين تعيق حقوقهم في المساواة بغيرهم”.