نيجيريا – جسور- سماح ممدوح حسن
لا يزال “المعالجون الشعبيون” خصوصا من يدعون أنهم يعالجون الكسور، يحظون بثقة كثير من النيجيريين، لكن في كثير من الحالات، يخرج المرضى من بيوت المعالجين حالتهم أكثر سوءا، تصل حد حدوث إعاقات دائمة، وبتر في الأطراف لا يمكن إصلاحه.
عندما خرجت حنيفة إسماعيل، البالغة من العمر 47 عامًا، من ولاية كوجي إلى لاجوس في 8 مارس 2003، برفقة سائق في سيارة خاصة، لم تكن تعلم أن حياتها على وشك التحول إلى كابوس، بمجرد تعطل فرامل السيارة، قتل الحادث أشقائها، وكسرت ساقها اليمنى، لكن ما زاد من تداعيات الكارثة، سلسلة من التدخلات التقليدية المضللة، التي نصح بها بعض أفراد الأسرة.
نُقلت إلى وحدة الطوارئ في المستشفى، وهي في حالة حرجة، وظلت تتقلب بين وعي وإفاقة، لمدة ثلاثة أيام، بينما كان الأطباء يناقشون مصير ساقها المكسورة.
تقول حنيفة: “بعد ثلاثة أيام، أخبرني طبيب هندي في المستشفى أن الضرر فى ساقي لا يمكن إصلاحه، أوضح أن الكسر أثر على الأوتار تحت الركبة، وعندها ذكر البتر للمرة الأولى.”
تمسكت عائلتها بالأمل، ورفضت قبول البتر، كخيار وحيد، وفكروا فى العثور على حل أفضل.
تقول المرأة، وهي أم لثلاثة أطفال: “أصرت عائلتي على رفض البتر قبل البحث عن خيارات أخرى” وبالفعل، نُقلت إلى قريتها حيث وعدها معالج شعبي بإصلاح ساقها خلال ثلاثة أشهر.
قالت: “ذهبت إلى المعالج الشعبي حيث قضيت ثلاثة أشهر كاملة في قرية بولاية كوجي. كان معروفًا بعلاجه لمشاكل العظام والخلع والكسور. ادّعى أنه قادر على شفاء اللحم المتعفن واستعادته.”
الساق تتعفن
“خلال العلاج، استخدموا أعشابًا مختلفة، بعضها لغسل الساق، وأخري للتدليك، وكنت أشرب بعضها، طوال ثلاثة أشهر، كان المعالج يضع محاليل عشبية ويربطها بطقوس روحانية وأدعية، ووصف الرائحة الكريهة بأنها جزء من عملية تنظيف، لكن بدلًا من التحسّن، ساءت الحالة وتحلّل اللحم، قالوا إنه يجب أن يتعفن القديم لينبُت الجديد، فصدقتهم.”
لكن الساق ساءت حتى أسودت، ومات نسيجها، وبدأت تظهر الديدان، استيقظت ذات صباح لتجد كاحلها وقد انفصلت عن قدمها التي باتت معلقة بلا حياة.
“في تلك اللحظة لم أشعر بالألم لأن قدم الساق كانت ميتة.” نُقلت لاحقًا إلى مستشفى دالا لجراحة العظام، وبُترت ساقها، ولكن أعلى الركبة بسبب العدوى الشديدة، قال الأطباء آنذاك إن فقط 5 من بين 100 مريض يعيشون بعد هذا النوع من العدوى، وإن التأخير وسوء المعالجة زاد الأمور سوءًا.
مسار مؤسف
عانت أولاتان أكينسولا52 عامًا من فقدان ساق ابنها البالغ 12 عامًا حين سقط أثناء لعب كرة القدم، نصحهم الجيران بالمعالج الشعبي، فوافقت دون أن تدرك بأن ذلك سيكلّف ابنها ساقه.
المعالج غلّف الساق بخشب الخيزران وأعشاب، وأخبرهم أن الألم علامة على أن العظم يُلتحم، لكن تزايد الحمى والقيح جعلهم ينقلونه إلى مستشفى العظام إنوجو، لكن الأوان كان قد فات، واضطر الأطباء لبتر ساقه لمنع انتشار العدوى.
قالت الأم: “ألوم نفسي كل يوم لأنني ذهبت للمعالج الشعبي ولم أتجه للمستشفى حينها”
فقر يؤدي للإعاقة
تحول العلاج الشعبي للعظام بنيجيريا من مهنة وراثية إلى مهنة ناجمة عن الحاجة والبحث عن لقمة العيش، ويفتقر كثير من المعالجين للمعرفة العلمية اللازمة للتشخيص والعلاج الصحيح.
خلال زيارات لعدة معالجين شعبيين في لاجوس، تبين أن خدماتهم رخيصة وفورية، ودون فحوص طبية.، هؤلاء يجذبون الأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج الرسمي في المستشفيات.
لكن الأطباء ينبهون إلى أن النتيجة غالبًا تكون بتر أو تشويه، إذ إن العلاج غير الصحيح يؤدي إلى عدوى والتهابات وتمدد الضغط داخل العضلات، وحتى منع تدفق الدم.
بيانات مؤلمة
ذكر البروفيسور مايك أوجيريما من جامعة أحمدو بيلو أن أكثر من 80% من حالات البتر في عيادته ناجمة عن الأخطاء التقليدية. ويستند بهذا إلى خبرته التي امتدت 20–25 عامًا.
قال:”معالجو العظام الشعبيين يستغلون جهل الناس. لا يفهمون علم التئام العظم.” وحذر من أن هذا الجهل يؤدي إلى وضع كمادات عشبية منتهية الصلاحية على الجروح، مما يزيد العدوى، إلى جانب الربط الضيق الذي يقطع تدفق الدم.
بدوره، قال الدكتور ألاشود أكنموكون من مستشفى جامعة لاجوس إن العظام يمكن أن تلتئم بشكل طبيعي دون تدخل، وإذا تدخل أحد فقد يسبّب الخطأ مضاعفات مثل المفاصل المتيبسة والإلتواءات. وأشار إلى أن الكمادات العشبية على الجروح المفتوحة قد تؤدي إلى التهاب عظمي خطير.
على الجانب الآخر، يقول الأستاذ مارتينز إيميجي من وكالة تطوير الطب الطبيعي في نيجيريا إن الحل لن يكون في الإدانة، بل بالاستثمار في التدريب والبحث لتطوير الممارسات التقليدية بشكل علمي وتنظيمها.
وأضاف أن الوكالة تعمل حاليًا على توثيق المعرفة الشعبية ودمجها ضمن منهج تدريبي تحت إشراف رسمي، لتقليل المخاطر وتحسين النتائج. قال:”لا يكفي أن ننتقد الطب الشعبي بسبب غياب التنظيم. هناك أخطاء في المستشفيات كذلك، لكن الحل هو التوعية والتدريب.”