.png)
في خطوة مهمة تضع السينما المصرية على خريطة الاهتمام العالمي بقضايا ذوي الهمم. حقق فيلم خريطة رأس السنة إنجازا دوليا في عرضه العالمي الأول. وفقا لما نشرته الصفحة الرسمية لمهرجان Tony Curtis الدولي، حصد الفيلم الجائزة التقديرية للمهرجان. الذي أقيم في مدينة ماتيسالكا المجرية. حيث تم اختياره ليكون ضيف شرف دورة هذا العام.
خريطة رأس السنة
في الوقت ذاته، لم يقتصر التكريم على العمل ككل. بل امتد ليشمل النجمة ريهام عبد الغفور، التي نالت تكريما خاصا عن أدائها الاستثنائي لشخصية سيدة مصابة بمتلازمة داون. وهذا التكريم يمثل أول جائزة عالمية تحصل عليها ممثلة مصرية عن تجسيدها لهذه الحالة. مما يعكس الجرأة الفنية والعمق الإنساني الذي يحمله الفيلم. لذلك، يعد هذا الحدث نقلة نوعية في كيفية تناول السينما العربية لقضايا الاختلاف والدمج.
تخوض ريهام عبد الغفور في خريطة رأس السنة مغامرة فنية محفوفة بالتحديات. فقد اختارت الابتعاد عن الأدوار التقليدية لتقدم شخصية مركبة تتطلب تحضيرا نفسيا وجسديا هائلا. حسب تصريحاتها لصحيفة اليوم السابع، استغرق التحضير للشخصية وقتا طويلا. تضمن لقاءات مكثفة مع سيدات مصابات بمتلازمة داون، لفهم تفاصيل حياتهن وانفعالاتهن وطريقة تفاعلهن مع العالم.
علاوة على ذلك، تطلب تجسيد الشخصية مجهودا شاقا على مستوى الشكل الخارجي. فقد أشارت ريهام إلى أن الماكياج كان يستغرق قرابة 3 ساعات يوميا قبل التصوير، وساعة ونصف لإزالته. وذلك بالتعاون مع خبير المؤثرات البصرية إسلام أليكس، للوصول إلى ملامح دقيقة وواقعية تتناسب مع الشخصية. إن هذا التفاني يعكس رغبة حقيقية في تقديم نموذج إنساني صادق. وذلك بعيدا عن المبالغة أو التنميط، وهو ما أهلها لهذا التقدير الدولي الرفيع.
رحلة استثنائية تتجاوز الإعاقة
تدور أحداث فيلم خريطة رأس السنة حول شابة من ذوي متلازمة داون. والتي تجد نفسها فجأة في مواجهة العالم بعد أزمة عائلية قاسية. وفقا للملخص الرسمي للفيلم على موقع «السينما.كوم». وتبدأ الرحلة بوفاة الأب بشكل صادم واختفاء الأم. مما يجبر البطلة على الانطلاق في رحلة بحث محفوفة بالمخاطر برفقة ابن شقيقتها الذي يجسده الطفل آسر.
خلال هذه الرحلة، لا تكتفي البطلة بمواجهة تحديات الطريق. بل تواجه أيضا تحديات داخلية تتعلق بقدرتها على حماية الطفل وتحمل المسؤولية. والفيلم يطرح أسئلة عميقة حول القدرة والقوة الكامنة في الأشخاص. الذين يصنفهم المجتمع عادة في خانة الضعف. فبدلا من أن تكون البطلة عبئا، تتحول إلى الحامي والقائد في هذه المغامرة. مما يقلب المفاهيم التقليدية عن الإعاقة ويعيد تعريف معنى البطولة.
خريطة رأس السنة ومتلازمة داون
يتميز الفيلم بتناوله ل متلازمة داون من منظور أفلام الطريق. وليس كدراما اجتماعية تقليدية تركز فقط على المعاناة. في هذا السياق، يتم وضع البطلة في مواقف تتجاوز قدراتها الجسدية والنفسية المعتادة. مما يخلق توترا دراميا وعمقا إنسانيا فريدا. والفيلم لا يستجدي العاطفة، بل يفرض الاحترام لشخصية تحاول النجاة وإثبات وجودها في عالم لم يكن مهيأ لها.
طالع: فيلم «ضي» يكشف واقع المهق ويكسر حواجز العزلة بسبب لون الجلد
طالع: لقاءات عابرة تحوّلت إلى شغف.. حكاية المصرية أمنية سيد مع أصحاب «متلازمة داون»
كما أن اختيار ريهام عبد الغفور لتسجيد الدور. بدلا من الاستعانة بممثل من ذوي الهمم كما جرت العادة. أثار جدلا إيجابيا حول قدرة الفن على التقمص ونقل المشاعر. فقد أثبتت التجربة أن الممثل المحترف، عندما يتسلح بالبحث والصدق، يمكنه أن يكون صوتا قويا ومؤثرا لهذه الفئة. خاصة في الأعمال التي تتطلب مساحات تمثيلية ودرامية معقدة وطويلة.
لا يقتصر نجاح خريطة رأس السنة على أداء بطلته فحسب، بل هو نتاج رؤية فنية متكاملة. الفيلم من تأليف يوسف وجدي وإخراج رامي الجندي، ويشارك في بطولته نخبة من النجوم، أبرزهم محمد ممدوح وأسماء أبو اليزيد وهنادي مهنا. إن هذا التنوع في طاقم العمل يضيف ثقلا فنيا للفيلم ويضمن تنوعا في الأداء يخدم القصة الإنسانية.
من الناحية الإنتاجية، تولى أحمد حمدي (شركة سكوب آرت برودكشن) مهمة تقديم هذا العمل الذي يخرج عن المألوف التجاري، مراهنا على القيمة الفنية والرسالة الإنسانية. وقد أثبت الاستقبال الحافل في المجر أن الرهان كان في محله، وأن السينما المصرية قادرة على المنافسة في المحافل الدولية بمحتوى أصيل ومبتكر.
سينما تنتصر للإنسانية
في الختام، يمثل فوز فيلم خريطة رأس السنة وتكريم ريهام عبد الغفور انتصارا للسينما التي تحمل رسالة. إنه تذكير بأن الفن الحقيقي هو الذي يجرؤ على الخوض في المناطق غير المألوفة، ويسلط الضوء على البطولات الصامتة في مجتمعنا.
ومع اقتراب موعد العرض الجماهيري في 24 ديسمبر، يترقب الجمهور المصري والعربي مشاهدة هذه التجربة الفريدة التي تعد بأن تكون أكثر من مجرد فيلم، بل رحلة إنسانية ملهمة تعيد الاعتبار لقدرات وإرادة ذوي متلازمة داون.
