أشرف محمد شحاتة، «ليوناردو دا فينشي الطريق الزراعي» الأصم، الذي حول 5 كيلومترات من الجدران الخرسانية إلى معرض مفتوح قبل أن تنتهي حياته بشكل مأساوي تحت عجلات القطار.
خبر مقتضب نشر في معظم المواقع الإخبارية المصرية يقول: «لقي شاب أطلق عليه أهالي المنيا رسام الشارع الأخرس مصرعه إثر حادث قطار ،وتم نقل الجثمان الى المستشفى وتسليمه لذويه».
رغم قلة المعلومات المتاحة عن الراحل، إلا أنه تبين أنه أشرف محمد شحاتة (43 عاما)، ابن قرية ريدة بالمنيا بصعيد مصر، ووقعت هذه النهاية المفجعة على ذات المحور الجغرافي (الطريق الزراعي وخط السكة الحديد) الذي كان يمثل مسرح إبداعه المستمر لأكثر من 5 كيلومترات.
هذا الحادث يعمق مأساة التجاهل إذ تم التعامل مع وفاته كحادث عادي على الطريق، بدلا من التعامل مع رحيل فنان فطري، إذ نال شحاتة لقبا شعبيا أيقونيا هو «ليوناردو دا فينشي الطريق الزراعي»، اعترافا بموهبته الفذة التي تجلت على الجدران الخرسانية التي تحيط بالطريق.
هذا التحقيق هو ضرورة لحفظ ذكرى رمز للإبداع الفطري المقاوم للتجاهل المؤسساتي.
العبقرية الصامتة وعزلة تحولت إلى لغة بصرية
عاني شحاتة من الصمم منذ الولادة، وهي حالة أدت إلى عزله عن العالم السمعي، كما أنه لم يتلق أي تعليم رسمي، على الرغم من هذه التحديات المزدوجة، أثبت أنه فنان ومبدع بالفطرة في مجال الرسم، حسب موقع تفصيله».

هذا المدى الهائل من الإبداع البصري يعتبر بمثابة اللغة الأساسية والوحيدة له، وهو ما يمكن تحليله على أنه تعويض نفسي وعصبي عن غياب المدخلات السمعية والتعليمية الرسمية، مما أدى إلى تركيز طاقته بالكامل على الإخراج البصري، وكان يوصف بأنه رجل بشوش جدا يتمتع بحياة بسيطة، لكنه عاش في عزلة اختيارية ضمن «عالمه الخاص مع رسوماته»، وكان زاهدا في الدنيا يعمل بدون مقابل، مما يؤكد نقاء دوافعه الفنية.
هذا التناقض بين الذكاء والعقل الراجح الذي كان يتمتع به، وبين الاعتقاد المجتمعي السطحي بأنه «معاق ذهنيا»، يسلط الضوء على قصور الأطر المجتمعية في إدراك وتصنيف الذكاء غير اللفظي.
عم أشرف وفن الرسم على الجدران
تحول طريق القاهرة – أسوان الزراعي بين قريتي ريدة والحواصلية إلى أكبر لوحة فنية لأشرف شحاتة، ولم يكن عمله مجرد رسومات عابرة، بل مشروع حياة تميز بالتفاني والعبقرية في فن الضرورة .
كان هذا العمل يتميز بالإصرار على الديمومة فكلما بهتت رسوماته بفعل العوامل الطبيعية كان يعيد رسمها
كانت بساطة أدواته دليلا على عبقريته حيث كان الوسط والمادة الخام الأساسية لرسوماته على الخرسانة هو «الجبس الناشف المتواجد على الطريق».
كان هذا العمل يتميز بالإصرار على الديمومة، فكلما بهتت رسوماته بفعل العوامل الطبيعية، كان «يعيد رسمها»، وهذا التجديد المستمر يمثل عملا فنيا مستمرا، حيث تكون قيمة الفنان ليست فقط في المنتج الأولي، بل في الإصرار على مقاومة الزمن والتآكل، وكل هذا العمل كان يتم «بدون مقابل».
الصمم والاصطدام الأخير
تحمل وفاة أشرف شحاتة على خط السكك الحديدية دلالة رمزية عميقة، فلقد مات الفنان على ذات المحور الجغرافي الذي كان يمثل مسرح إبداعه المستمر، والصمم الذي وفر له العزلة الفنية والتركيز المطلق على البصر والإبداع، قد يكون عاملا حاسما في عدم سماعه صوت تحذيرات القطار الهائل.
بالتالي فإن العزلة المزدوجة التي عاشها عزلة عن العالم الصوتي وعزلة عن العالم المادي بسبب زهده، انتهت باصطدام عنيف مع العالم الخارجي الصاخب والمادي، متمثلا في سرعة القطار وواقعه الصلب.
هذا الاصطدام الأخير كان خاتمة مؤلمة لرحلة فنان عاش في صمته وعبر بالخطوط، كما أن هذا المصير يبرز مأساة الفرصة المهدورة، حيث كانت هناك مناشدات للمسئولين ل «تبني موهبة أشرف شحاتة» قبل وقوع الحادث المأساوي، مما يلقي بظلال اللوم على المؤسسات الثقافية التي فشلت في اكتشاف ورعاية المبدعين الفطريين الذين يعملون خارج الأطر الأكاديمية.
حفظ إرث ليوناردو دا فينشي المنيا
ما قدمه الراحل يبرهن على قوة الإبداع الفطري الذي يزدهر في مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية، ومشروع الخمسة كيلومترات الذي خلفه، هو إرث مهدد بالزوال الآن، إذ كان الفنان نفسه هو من يتولى صيانته.