كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة فلوريدا الأمريكية أن لعبة «دانجنز آند دراجنز Dungeons & Dragons » الشهيرة التي ظهرت لأول مرة عام 1974 وازدادت شعبيتها في السنوات الأخيرة، بفضل أعمال مثل مسلسل «Stranger Things» والعرض التفاعلي «Critical Role».
دانجنز آند دراجنز ليست مجرد لعبة ترفيهية، بل تمثل نشاطًا ذا أثر نفسي واجتماعي حقيقي على فئات متعددة، أبرزها الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن.
ماهي لعبة دانجنز آند دراجنز؟
«دانجنز آند دراجنز Dungeons & Dragons» هي لعبة تقمّص أدوار جماعية ظهرت عام 1974، ويؤدي فيها اللاعبون شخصيات خيالية في عالم من المغامرات يقوده «سيد اللعبة». وتعتمد على السرد التفاعلي ورمي النرد لتحديد النتائج. وتجمع بين الخيال والتفكير الاستراتيجي والعمل الجماعي. وتُعد من أشهر الألعاب التي توظف الترفيه لتنمية المهارات الاجتماعية والذهنية، خاصة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة.

الفوائد العقلية للعب الترفيهي
وقالت الباحثة إميلي ميسينا أستاذة مساعدة ومديرة برنامج العلاج الترفيهي وإعادة التأهيل بالجامعة، إن اللعبة تُعد نموذجًا لما يُعرف بـ«الترفيه الجادSerious Leisure» وهو مصطلح يُستخدم لوصف الأنشطة التي تتطلب مهارة والتزامًا وتحقق الإشباع الشخصي.
وأوضحت أن عالم اللعبة المعقد الذي يقوم على بناء العوالم الخيالية، وحساب النقاط وتطوير الشخصيات يجعلها مثالًا واضحًا على هذا النوع من الترفيه.
وأضافت ميسينا، في تصريحات نقلتها مجلة Leisure Studies التي نُشرت فيها الدراسة، أن اللعبة تساهم في تعزيز الهوية الشخصية وخلق روابط اجتماعية، خصوصًا لدى البالغين الذين يفتقرون إلى منافذ للتعبير عن ذواتهم أو التواصل الاجتماعي.
تقول: «اللعبة تمنح اللاعبين إحساسًا بالأمان وحرية تكوين هويتهم الخاصة، لقد وصفها البعض بأنها وسيلة للقيادة واتخاذ المبادرة بطرق لم يكن من الممكن ممارستها في حياتهم الواقعية»، وتضيف ميسينا، مضيفةً أن المشاركين كانوا يشعرون بالراحة في التعبير عن أنفسهم أثناء اللعب، وفي الوقت ذاته يبنون شخصيات تتوافق مع شخصياتهم الحقيقية أو تتعارض معها.
وتشير الباحثة إلى أن عنصر الخيال في اللعبة الذي يسمح للاعبين بابتكار شخصيات ذات مهارات وصفات وقدرات خاصة، يجعلهم أكثر حرية في التجربة دون خوف من العواقب الواقعية. وتقول:«هذا الجانب لا نجده في ألعاب أخرى، فاللاعبون يطورون هذه الشخصيات ويعيشونها على مدى شهور أو حتى سنوات».
إلى جانب البعد النفسي والاجتماعي، وجدت الدراسة أن اللعبة تمنح هيكلًا وتنظيمًا للحياة اليومية، وهو ما يمثل دعمًا مهمًا للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو من يفتقرون إلى الاستقرار الوظيفي.
توضح ميسينا: «القدرة على استخدام الترفيه لتنظيم الوقت وتحقيق شعور بالإنجاز تساعد الأفراد على رؤية نتائج إيجابية لجهودهم وتنمية مهاراتهم الذاتية مما يعزز لديهم الإصرار والدافع نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات».
وترى الباحثة أن هذه الفوائد لا تقتصر على فئة محددة، إذ يمكن أن تُستخدم اللعبة كوسيلة تحفيزية للأطفال أو حتى كأداة لإعادة بناء الإحساس بالهدف لدى كبار السن بعد التقاعد، وهي المرحلة التي تعتبرها «واحدة من أكثر فترات حياة البالغين خطورة» نظرًا لفقدانهم البنية اليومية والاتصال الاجتماعي.
وقد أظهرت دراسات سابقة أن الأنشطة الترفيهية المنظمة تساعد المسنين على الحفاظ على لياقتهم الجسدية والاجتماعية والعقلية، وتقلل من معدلات الاكتئاب وتزيد من التركيز والانتباه، وهي نتائج ترى ميسينا أنها قابلة للتطبيق عبر جميع الفئات العمرية.
تضيف الباحثة: «فكرة التنظيم والمكافأة عبر أنشطة مرغوبة يمكن أن تنجح مع جميع الأعمار».
كما تسلط الدراسة الضوء على أن «دانجنز آند دراجنز» توفر مساحة للتعبير الإبداعي، وتعزز الترابط الاجتماعي بين المشاركين، إذ غالبًا ما تمتد جلسات اللعب لأسابيع أو أشهر، مما يخلق علاقات مستمرة خارج نطاق اللعبة نفسها.
وتشير ميسينا إلى أن هذه الروابط الممتدة تكتسب أهمية أكبر مع التقدم في العمر، حين تتراجع فرص التواصل الاجتماعي التي كانت متاحة في الطفولة أو المراهقة من خلال الأنشطة الرياضية أو الفنية.
وتقول: «عندما نكبر ونتوقف عن ممارسة الرياضات أو التمثيل مثلاً، نفقد تلك المساحات التي كانت تمنحنا فرصة التعبير عن الذات والعمل الجماعي، بالنسبة لمن كانوا ممثلين في المدرسة ثم انتقلوا لاحقًا إلى وظائف مكتبية، مثل العمل في الموارد البشرية، قد يكون من الصعب إيجاد وسيلة بديلة للتعبير عن الذات. وهنا يأتي دور ألعاب مثل دانجنز آند دراجنز».
وترى الباحثة أن اللعبة تذكّرنا بأنه لا يوجد عمر محدد للعب أو للإبداع الجماعي، مؤكدة أن الأنشطة الترفيهية ليست حكرًا على الأطفال أو على أصحاب الامتيازات.
تقول ميسينا: «الترفيه ليس رفاهية خاصة بفئة محددة، البيانات تُظهر أننا جميعًا بحاجة إلى مثل هذه الأنشطة التي تمنحنا شعورًا بالإنجاز، خصوصًا عندما لا تمنحنا الحياة العملية هذه الفرص.»
وختمت ميسينا بالقول إن «دانجنز آند دراجنز» تمثل نموذجًا ملهِمًا لكيف يمكن للترفيه المنظم أن يكون أداة فعالة لبناء الذات، وتحفيز التواصل الاجتماعي، وتعزيز الصحة النفسية والمعرفية لدى مختلف الفئات، من ذوي الإعاقة إلى كبار السن.


.png)


















































