وجّه الرياضي الجنوب أفريقي فالنينو فيرجوتين، أحد أبطال الأولمبياد الخاص، وسفير برنامج «رسل الصحة» في كلمته أمام القمة العالمية للصحة 2025 التي استضافتها العاصمة الألمانية برلين في أكتوبر الجاري ، دعوة مؤثرة إلى الحكومات والمنظمات الدولية لتبني سياسات صحية أكثر شمولًا وعدلًا تجاه الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والنمائية.
مؤكدًا أن«الإعاقات غير المرئية» لا تزال تحرم الملايين حول العالم من حقهم في الرعاية الصحية.
قال فيرجوتين خلال الجلسة التي حملت عنوان «سد فجوة الدمج لذوي الإعاقة: كيف تُقصي الأنظمة الصحية شخصًا من كل ستة أشخاص، وماذا يمكننا أن نفعل تجاه ذلك؟»، إن الكثير من التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوى الإعاقة ليست مادية بل مجتمعية ومؤسسية.
موضحًا أن تجاربه الشخصية مع النظام الصحي في بلاده تعكس حجم المشكلة على نطاق عالمي.
روى الرياضي الجنوب أفريقي تفاصيل مؤلمة عن طلبه للرعاية الطبية العام الماضي بعد إصابته بألم حاد منعه من ممارسة أنشطته اليومية والسباحة، إذ واجه ساعات انتظار طويلة ومعلومات غير ميسّرة ومعاملة تمييزية من بعض العاملين في المستشفى.
وأشار إلى أن مثل هذه المواقف المتكررة تجعله يشعر بأن الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية«غير مرئيين» بالنسبة للمؤسسات الصحية.
وأوضح فيرجوتين أنه في إحدى المرات، عندما طلب مساعدة في ملء استمارات طبية، ردّت عليه موظفة الاستقبال بسخرية قائلة: «ما بك؟ ألا تعرف القراءة والكتابة؟»، ما جعله يشعر بالإهانة والإقصاء.
كما واجه في موقف آخر اعتراضًا من ممرضة ومريض أثناء وقوفه في طابور مخصص لكبار السن وذوي الإعاقة، بسبب أن إعاقته غير ظاهرة.
وجاءت الجلسة متزامنة مع صدور أول تقرير صحي عالمي للأولمبياد الخاص بعنوان «التركيز على غير المرئي: الاحتياجات المهملة للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والنمائية، وخطوات نحو أنظمة صحية دامجة»، والذي دعا إلى تدريب الكوادر الطبية على التعامل الإنساني مع المرضى ذوي الإعاقات، وتبني نماذج رعاية تضع الإنسان في قلب العملية الصحية.
شارك في الجلسة عدد من كبار الخبراء والمسؤولين، من بينهم الدكتورة تانيا روديغجر-فورفيرك، نائبة المدير العام في وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية. وداريل باريت المسؤول الفني لشؤون الإعاقة في منظمة الصحة العالمية، إلى جانب كاتري برترام من منظمة «لايت فور ذا وورلد»، التي أدارت الحوار.
عبّرت الدكتورة روديجر-فورفيرك عن تأثرها العميق بكلمة فيرجوتين، قائلة إنها تذكرت شقيقها الذي يحتاج إلى دعم مستمر، وإن تجربته مع النظام الصحي تشبه كثيرًا ما وصفه الرياضي الجنوب أفريقي.
وأشارت إلى جهود الحكومة الألمانية في تنظيم القمة العالمية للإعاقة، التي أطلقت «إعلان عمّان – برلين» متضمنًا تعهّد «15 في المئة من أجل الـ15 في المئة» لزيادة دعم برامج دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في التنمية.
أما ممثل منظمة الصحة العالمية داريل باريت، فتحدث عن الخطوات العملية التي تتخذها المنظمة لمواجهة التفاوتات الصحية التي يعاني منها ذوي الإعاقة، من خلال مبادرة «العدالة الصحية لذوي الإعاقة»، الهادفة إلى ضمان وصول الخدمات الطبية إلى الجميع دون تمييز.
يُذكر أن هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي يشارك فيها الأولمبياد الخاص في استضافة جلسة حول الدمج الصحي ضمن القمة العالمية للصحة، بالشراكة مع مؤسسات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، و«هيومانِتي آند إنكلوجن»، و«سايتسيفرز»، و«التحالف العالمي للتقنيات المساعدة» وغيرها.
وفي ختام الجلسة، قدّم فيرجوتين لمحة إنسانية عن بداياته في عالم الرياضة، إذ قال مبتسمًا «بدأتُ السباحة عندما عصيت أوامر أختي بالبقاء في الحوض الصغير وقفزت في العميق.. فأنقذني المنقذ!»، مضيفًا أن ما يحتاجه العالم اليوم هو «منقذون» داخل الأنظمة الصحية لمدّ أيديهم إلى الأشخاص ذوي الإعاقة قبل أن يغرقوا في الإهمال والتجاهل.
واختتم حديثه قائلاً: «كما في الماء، كذلك في الصحة: لا ينبغي لأحد أن يغرق حتى تتم رؤيته. على الأنظمة الصحية أن تكون مستعدة لمد يد العون منذ البداية، لا حين يبلغ المرء القاع.»
ويواصل الأولمبياد الخاص العالمي جهوده لمساندة الأنظمة الصحية حول العالم لتصبح أكثر شمولًا وإنصافًا للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والنمائية، في سبيل تحقيق شعار طال انتظاره: الصحة حق للجميع دون استثناء.