رامز عباس، أو كما يُعرف بين محبيه بـ”الأصم الناطق” فقد سمعه تدريجيًا نتيجة لخطأ طبي منذ طفولته، حتى صار لا يسمع شيئًا، لم تكن الإعاقة هي التحدي الوحيد في طفولته، بل كان رامز يتيم الأم منذ أن كان رضيعًا، لا يرجو سوى حنان أمه، لتتكفل عمته بتربيته ورعايته.
كان رامز بريئا، أرق من أن يتحمل قسوة الحياة، ولكن في الوقت ذاته كان طفلًا استثنائيًا، قادرا على تحمل المسؤولية، متكيفًا مع كل أوضاعه غير ساخط عليها، أحب رامز القراءة منذ صغره، وامتلك قلبًا واسعًا يعرف كيف يحلم، وعقلًا مستنيرًا يعرف كيف يتحقق الحلم، وكيف ينجو بنفسه رغم الإعاقة، وفقدان الأهل، وتنمر الأصدقاء.
يحكي رامز عباس رحلته لـ “جسور” قائلًا: “فقدت والدتي وأنا رضيع لم أكمل بضع شهور، ففي الوقت الذي تكن فيه الأم هي العالم لطفلها فقدتها، تكفلت عمتي بتربيتي، وكانت الحضن الذي لم أفقده أبدا، لم أركض خلف صداقات مؤقتة أو اللهو غير المجدي، كما يفعل الأطفال، بل كنت محبًا للقراءة منذ الصغر، أجد في الكتاب ملاذًا، وفي القلم صديقًا لا يخذلني، فمنذ أن تعلمت القراءة والكتابة، لم أعد أبالي بسخرية أحد، ولا بغياب الصديق، صار الكتاب صديقي المفضل، يجيبني كلما سألت، والقلم يسمعني حين يصمت الجميع. الورقة وحدها تفهم مشاعري، ولا تحكم عليّ”.

يكمل رامر: صنعت لنفسي عالمًا خاصًا، عالمًا بلا ضوضاء، لكنه مليء بالأفكار والأحلام، بنيت فيه مجدي بصمت، وواجهت الحياة بإرادة أقوى من كل ضجيج التنمر، كان حلمي أن يسمعني العالم بأكمله، وكنت كلما سرت نحو حلمي تعرقلت بشدة، كنت أعاني من صعوبة بالغة في التعليم نظرًا لظروفي، ولم استطع الحصول على مؤهل عالٍ، ولكنني لم أيأس، عدت لأحاول من جديد، والتحقت بكلية الحقوق بنظام التعليم المفتوح، في الوقت ذاته، لم أترك هوايتي المفضلة وهي الكتابة.
يقول رامز الملقب بين أصدقاءه بالأصم الناطق: كانت الكتابة هي وسيلتي في التعبير عن كل ما حرمتني الإعاقة من التعبير عنه، حتى صار صوتي مسموعًا، وبدأت أكتب عن احتياجات ذوي الإعاقة وقضاياهم المنسية، وبدأت أُعرف وسط الأصدقاء بلقب “الأصم الناطق”، ثم عملت موظفًا بالمجلس القومي لشؤون الإعاقة، وبدأت أكتب مقالات ثابتة عن مشاكل ذوي الإعاقة في كبرى الصحف، حتى جاء وقت تحقيق الحلم وسمحت لي الفرصة بكتابة سيناريو وحوار مسلسل يناقش قضايا ذوي الإعاقة.
مستكملًا حديثه: “حتى هذا اليوم، حين أرى اسمي على صفحات الجرائد أو تترات المسلسلات، وأسمعهم يحكون قصتي: شابًا تحدى الإعاقة، كاتب وسيناريست يُحتفى به، لا أصدق أن رامز اليتيم الأصم الذي عانى كثيرًا من سخرية زملائه يصعد بأحرفه الآن إلى منصات طال طويلًا أن يحلم بها، فلم يكن الطريق سهلًا، لكنني آمنت بأن الكتابة لا تحتاج إلى أُذن، بل إلى قلب يسمع جيدًا، وهذا ما فعلته تمامًا”.