في زحام إحدى محطات مترو القاهرة، يقف رجل مسن، حاملا فوق كتفه شاب عاجر كليًا عن الحركة وعن الكلام، كان الحمل ثقيلا على ما يبدو، فهو لا يحمل طفلا، لكنه يحمل رجلا مثله، يزيد عنه فى الطول ويقاربه في الوزن.
كان اليوم موعد زيارة الشاب محمد، المصاب بشلل كلي، إلى مستشفيات حي العباسية، رحلة شاقة يقطعها الرجل أربعة مرات في الأسبوع، لا لتلقي العلاج أملًا في شفاء ابنه، واستعاده قدرته على الحركة، أو الوقوف أو حتى تناول طعامه بنفسه، ولكن لإجراء جلسة علاج طبيعي اعتيادية، جسد محمد يحتاج إلى تدليك مستمر لتسكين آلامه، وحتى لا يصاب بالتيبس، فقد شخص الأطباء حالته منذ سنوات بأنه لا أمل في الشفاء.
كان محمد البالغ من العمر 35 عاما، يحدث نفسه بكلمات غير مفهومة، الجميع بالنسبة له غرباء، كان متشبسا بأبيه خوفا من السقوط، يلفّ ذراعيه حول رقبته بإحكام، بينما يتدلّى جسده، وساقيه تكادان تلامسان الأرض.

مشهد مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رجل تجاوز الستين بخمس سنوات، يحمل رجلا لا يقوى على الحركة، ما الذي أتى بهما إلى هنا، ألا يستحق محمد ووالده حياة كريمة.
من حلوان إلي العباسية
يقول عم مصطفى لـ« جسور » إن محمد يعاني شللا كليا، ولا يستطيع الوقوف، أو تناول الطعام، وأنا ووالدته نقوم على خدمته، وأنا اضطر لحمله ثلاث مرات في الأسبوع من أجل الذهاب إلى المستشفى، لأني غير قادر على دفع أجرة المواصلات الخاصة، أو استقلال سيارة تاكسي، وحتى الكرسي المتحرك لن يسعفني في التحرك به في زحام القاهرة، ونقله سيكون مكلفا أيضا، فأضطر إلي حمل محمد من التبين بمدينة حلوان ( جنوب القاهرة) إلى مستشفى الزهراء في العباسية ( شرق القاهرة).
الطريف أن عم محمد لا يرى عبئا في حمل نجله، يقول “كأني أحمل ورقة، لا أشعر بثقل جسده، أحمله وأسير به وأنا أحدث نفسي بأن أجد(حد ابن حلال) يساعدني في حل مشكلتي”.
دعم مالي ضعيف
يقول عم مصطفى إن ابنه كان يحصل على دعم مالي من صندوق تكافل وكرامة، مبلغ صغير، حوالى 600 جنيه كل شهر، لكن حتى هذا المبلغ لم يستمر، تم تخفيضه إلى 460 جنيه، لا أعرف لماذا فعلوا ذلك، كنت أنتظر زيادة الدعم وليس تخفيضه، في ظل غلاء الأسعار والمعيشة، وأصبح الدعم الشهري لا يذُكر، ولا يكفي مصاريف يوم واحد، يضيف “اتسلمه يوم 28 من كل شهر، وأصرفه قبل بداية الشهر الجديد.
كل ما يرجوه عم محمد أن تمنحه وزارة التضامن أو أي جهة حكومية “تروسيكل” يترزق منه ويكسب قوت يومه هو وابنه وزوجته بالحلال، ويحمل ابنه المصاب بالشلل فيه إلى المستشفي، وباقي أيام الأسبوع يعمل عليه لتوفير نفقات الانتقال وتأمين طعامه وشرابه وعلاجه، بدلا من حالة البطالة التى يعيشها منذ 14 سنة.
الجمعيات الأهلية لا ترد
يؤكد عم مصطفى أنه حاول التواصل مع الكثير من الجمعيات الأهلية، طلبا للدعم والمساعدة، لكن لا يجيب أحد، كل ما يفعلونه يطلبونه صورة بطاقة محمد، ولا يفعلون شيئا بعدها، ويذكر أنه وقف أمام مبني الإذاعة والتلفزيون بوسط القاهرة، آملا في عرض مشكلته ومشكلة ابنه على أي مسؤول، لكنه لم يتمكن من مقابلة أحد، ولم يسمحوا له بالدخول.
بنبرة حزن يقول عم مصطفي، إن اعتياده ركوب المترو وحمل نجله على كتفه يثير تعاطف الركاب، فيمنحه بعضهم مساعدات مالية، يقول “للأسف أضطر لقبولها لأني في أمس الحاجة لأي أموال، لتدبير نفقات ابني اليومية.
معاش تكافل وكرامة
يُعد برنامج «تكافل وكرامة» الذي تديره وزارة التضامن الاجتماعي في مصر أحد أبرز مبادرات الحماية الاجتماعية التي تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها ذوو الإعاقة الذين يحصلون على معاش غير المشروط؛ نظرًا لعدم قدرتهم على العمل.
وقد شهد المعاش – حسب تقارير صحفية – زيادة بنسبة 25% في أبريل 2025، ليصل متوسط ما يتقاضاه المستفيدون من ذوي الإعاقة تحديدا، نحو 929 جنيهًا شهريًا.
القانون يمنح الأولوية عند تزاحم الطلبات، لفئة ذوي الإعاقة من المستوى الثالث، أي الحالات الأشد تأثيرًا على القدرة على العمل والحياة اليومية، يليها المرضى بالأمراض المزمنة الخطيرة، ثم كبار السن الذين لا يملكون مصدر دخل ثابت.