كندا – جسور – سماح ممدوح حسن
رحلة ناجحة للخروج من عتمة الإعاقة الذهنية، والعزلة الإجبارية التي تفرضها ظروف الإعاقة، خاضها بجسارة، الطالب الكندي”دانيل يونج” من مدينة تورونتو، طوال عشرة شهور، كان دانييل يستيقظ في السادسة صباحًا، للالتحاق ببرنامج مختلف تمامًا، ليخوض تجربة جديدة، يطوّر من خلالها مهاراته، ويحقق حلم اسرته في الاستقلال، ويحلم حلمه الشخصي بالعمل في مجال الكمبيوتر.
في يوم قائظ أواخر يونيو، ومع اقترابه من التخرج في المرحلة الثانوية، لم تفارق الابتسامة وجهه، قال دانيل، البالغ من العمر 20 عامًا، قبل تخرجه من برنامج “بروجكت سيرش ” Project SEARCH، الذى يهدف إلى انتقال الشباب من ذوي الإعاقات الذهنية أو النمائية إلى سوق العمل: “كان من المهم جدًا أن أتعلم هنا، لأنك تخرج إلى العالم الحقيقي. أنت تتطور لتصبح شخصًا مختلفًا تمامًا.” وأضاف “كانت تجربة رائعة جدًا.”
بينما ينشغل معظم المراهقين خلال المرحلة الثانوية بالتعلم والتدريب والتخطيط لمستقبلهم، فإن الطلاب ذوي الإعاقة يواجهون فرصًا أقل بكثير. وتوجد مجموعة غير متجانسة من البرامج التي تساعد بعضهم في الانتقال إلى مرحلة البلوغ، لكن الخبراء يرغبون في أن تكون هذه الفرص متاحة للجميع ممن يحتاجون إليها.
يقول إيدي بارتنيك، مستشار دولي يقدّم المشورة لحكومة نوفا سكوشا بشأن خدمات الإعاقة: “مغادرة المدرسة الثانوية هو وقت يتسم بتغيّرات كبيرة وقرارات مصيرية، لكنه أيضًا وقت قد يكون محفوفًا بالأزمات.”
وقالت البروفيسورة راشيل هول، من جامعة كولومبيا البريطانية، ومديرة مشاركة لمعهد كندا للإدماج والمواطنة، إن غياب برامج انتقال قوية ومخصصة لما بعد التخرج قد يؤدي إلى فقدان الشباب ذوي الإعاقة للعلاقات الاجتماعية والدعم الذي بنوه خلال سنوات الدراسة، مما يجعل العائلات تشعر بالتخبط، خصوصًا حين تتوقف خدمات الدعم المدرسية.
وتوضح هول أن برامج الانتقال تعتبر عادة من مسؤوليات المدارس، لكن نظرًا لعدم إلزام وزارات التعليم في المقاطعات والأقاليم بها، فإن تنفيذ هذه البرامج غالبًا ما يُترك لمجالس المدارس أو لمعلمي الدمج.
من جانبها، قالت كارولين مكدوجال، منسقة برنامج Project SEARCH في أونتاريو وكندا ومديرة برامج مسارات التوظيف في مستشفى “هولاند بلورفيو” لإعادة التأهيل: “بسبب عدم حصول الشباب ذوي الإعاقة على فرص تعلم تجريبية كتلك التي يحصل عليها أقرانهم، فإن سيرهم الذاتية تكون أضعف بكثير.”
وأشارت إلى أن محدودية التمويل تعني أن بعض البرامج لا يمكنها استقبال عدد كبير من المشاركين، ما يخلق “هاوية انتقال” لكثير من العائلات التي لا تستطيع الوصول إلى الدعم.
في سبتمبر المقبل، ستنضم 8 مواقع جديدة لبرنامج “بروجكت سيرش” في أونتاريو إلى 22 موقعًا قائمًا في المقاطعة، بالإضافة إلى مواقع في جزيرة الأمير إدوارد ومانيتوبا.
يهدف النموذج التطبيقي المتبع في مئات المواقع عالميًا إلى تزويد المشاركين بالوقت والمساحة والدعم اللازمين لاكتساب المهارات الفنية اللازمة لسوق العمل. ويحصل البرنامج عادة على دعم وتمويل من الشركات والمدارس والمؤسسات والجمعيات الخيرية وجهات التوظيف والمتبرعين.
قالت مكدوجال:”الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة يمكنهم أداء أعمال معقدة ومنظمة عندما يحصلون على نوع التدريب المناسب، كل ما يحتاجونه هو مزيج المكونات الصحيح.”
تجربة عملية غيّرت الكثير
خلال العام الدراسي، حصل دانيل يونج على خبرة عملية من خلال وظائف متعددة، منها العمل ك”ناقل hospital porter ” في أحد المستشفيات، وهي وظيفة لم يتخيل يومًا أنه يؤديها.
قال:تعلمت كيف أكون واثقًا، وكيف أتكيف، وكيف أتمهل في تنفيذ المهام، وأضاف أنه تعلّم ضبط حس الدعابة لديه، والحفاظ على الاحترافية، وأهمية التواصل البصري، ولغة الجسد، وكيفية التفاعل مع الآخرين، إلى جانب معرفة أنظمة الأمان في بيئة العمل.
ويبلغ معدل التوظيف لخريجي البرنامج في كندا نحو 68%، وهو أكثر من ضعف معدل التوظيف الوطني، حوالي 27% للأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة، بحسب مكدوجال.
الاستعداد المبكر يصنع الفارق
تقول راشيل هول إنها طوّرت برنامجًا إلكترونيًا مجانيًا لتخطيط الانتقال مخصصًا للمدارس، وسيتم إطلاقه في الخريف. وتؤكد هول على أهمية التنسيق في التمويل بين الوزارات المختلفة: التعليم، الصحة، العمل، التنمية الاجتماعية، وخدمات الأسرة. “هذا ضروري جدًا لتكون تجربة الانتقال سلسة ومتناسقة.”
تجربة نوفا سكوشا
في سبتمبر، ستطلق نوفا سكوشا برنامج “مغادرو المدارس”، والذي يربط 100 طالب من ذوي الإعاقة بأخصائيين محليين لوضع خطط لما بعد التخرج، ضمن إصلاح أوسع جاء بعد معركة قانونية مهمة خاضها ذوي الإعاقة في المقاطعة، ويتوقع أن يزداد عدد المشاركين في الدفعة الثانية إلى 200 طالب، وربما يبدأ البرنامج في وقت أبكر لاحقًا.
إنجازات ملهمة
جاء جوردان أونيل، أحد خريجي البرنامج، للمشاركة هذا العام كمتحدث في حفل التخرج. وأصبح لديه طموحات مستقبلية مثل العمل في مجال الكمبيوتر، والعيش باستقلالية.
تقول والدته بريندورا بول، إن أكثر ما تفخر به هو أن ابنها، البالغ من العمر 22 عامًا، أصبح يستخدم المواصلات العامة بمفرده، بعدما كان لا يتنقل إلا مع والديه، أو عبر حافلة المدرسة، وقالت:”فى السابق، كان مستحيل أن يسافر بمفرده، أما الآن نحن واثقون من وصوله من مكان لآخر”.