رعب في مرآة جوليا.. طفلة تصارع ورمًا متوحشًا يحتاج عملية خارج غزة

رعب في مرآة جوليا.. طفلة تصارع ورمًا متوحشًا يحتاج عملية خارج غزة

المحرر: محمود الغول - مصر

في كل العالم يولد الأطفال عادة محملين ببريق الأمل، يملأون البيوت فرحا بضحكاتهم وأحلامهم الصغيرة التي تبدأ في التشكل مع كل يوم جديد، لكن بالنسبة للطفلة الفلسطينية جوليا محمد أبو لحية، التي لم تتجاوز بعد عامها الثاني والنصف، كان القدر مختلفا، فقد ولدت وهي تحمل في جسدها مرضا نادرا، سرق منها فرحتها منذ اللحظة الأولى، وحول طفولتها إلى رحلة معاناة طويلة، ورسم على وجهها علامات ألم أكبر من عمرها بكثير.

منذ ولادتها بدأت قصة مع ورم كيسي ضخم، لم يترك لها فرصة لتنعم بحياة طبيعية مثل أقرانها، هذا الورم لم يكن مجرد كتلة لحمية ظاهرة، بل كيان غريب أخذ في النمو يوما بعد يوم، ليغطي جانب وجهها الأيمن ورقبتها، ويمتد حتى داخل الفم أسفل اللسان، ومع مرور الوقت، تحول الورم إلى حاجز يحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية.. الأكل – إن وجد – والكلام وحتى النوم.

حقائق باردة عن ألم حار

الأوراق الطبية التي أرسلها محمد أبو لحية والد الطفلة إلى «جسور» والصادرة عن مراكز التحاليل والآشعة الطبية في غزة ترسم صورة دقيقة لكنها قاسية لمعاناتها، فقد كشف تقرير الألتراساوند عن «ورم كيسي متعدد الحجرات غير محدد المعالم، مع وجود أوعية دموية داخلية»، وهو ما يشير إلى تشخيص مرضي يعرف باسم Cystic Hygroma أو «الورم الكيسي اللمفاوي الخلقي».

الورم يغير ملامح الطفلة جوليا ويهدد حياتها

 

هذا التشخيص لا يقتصر على الجانب الظاهر فقط، فالورم يمتد أيضا إلى داخل الفم ليعقد حياة جوليا اليومية أكثر.

وجود كتلة أسفل اللسان جعلها تعجز عن النطق الواضح، وحرمها من القدرة على بلع الطعام بسهولة، حتى أصبح تناول لقمة صغيرة معركة مؤلمة تخوضها يوميا.

تقرير طبي عن حالة جوليا الصحية

طفولة غائبة في حضرة الألم

جوليا لم تعرف معنى الضحك مثل الأطفال الآخرين، لم تجرب اللعب في الطرقات أو الجري بين الألعاب، حياتها تختصر في البكاء المستمر، وفي ملامح شاحبة تعكس حجم الوجع، صورها التي وثقها والدها توضح حجم التغير الذي طرأ على ملامحها الصغيرة، ففي إحداها يظهر الورم وقد التهم جانب وجهها بالكامل، وفي أخرى بدا حجمه أصغر قبل أن يتفاقم لاحقا. هذه الصور ليست مجرد لقطات عابرة، بل شهادات بصرية على مسار مرضي قاس لم يرحم طفولة بريئة.

أم مكلومة وأب مكسور

والدها محمد أبو لحية يصف ل «جسور» وضعها ببساطة صادمة، قائلا: «والله يا أخي وضعها أكثر من سيئ.. لا تعرف تنام ولا تأكل ولا تتكلم»، كلمات قليلة لكنها كافية لرسم صورة أب محطم، يرى ابنته تتألم أمام عينيه، عاجزا عن أن يقدم لها شيئا سوى دموعه ودعواته، إنها ليست مجرد معاناة طفلة، بل مأساة أسرة بأكملها، تعيش يوميا تحت وطأة الألم.

رغم الإمكانيات المحدودة في غزة، حاول الأطباء التدخل عبر إجراء عملية جراحية أملا في تقليص الورم وإنقاذ حياتها. لكن الأقدار كانت أشد قسوة، فبدلا من أن تتحسن حالتها، تفاقمت بشكل كبير بعد العملية. الورم تضاعف حجمه، حالتها الصحية تدهورت، وأصبحت تقضي فترات طويلة في غرف العناية المركزة. الأب يختصر النتيجة بجملة موجعة: «بعد العملية سائت حالتها».

الطفلة جوليا
إجلاء جوليا خارج القطاع هو الحل لإنقاذ حياتها

 

وتقول الأم وهي تروي مأساة طفلتها: «الورم عمل عندها صعوبة في التنفس والبلع ومبتتكلمش.. حتى الميه أحيانا مبقدرش أشربها إياها غير بالسرنجة»، مضيفة: «الأطباء خبروني إن بنتي ممكن تتدهور حالتها الصحية جدا، فأنا بطالب كل جهة مختصة، وكل من يقدر يساعد في علاج بنتي، إنه يتدخل بأقرب وقت، لأن حياتها متوقفة على عملية عاجلة». وتتابع باكية بصوت يختنق بالدموع: «ممكن أفقدها في أي لحظة».

أمل معلق بالسفر

في ظل الحصار الذي يفرضه المحتل على القطاع، ومع النقص الحاد في الإمكانيات الطبية والأجهزة الحديثة، لا يجد والدا جوليا سوى التشبث بأمل السفر للعلاج في الخارج. أوروبا بالنسبة لهما ليست مكانا بعيدا بقدر ما هي حلم بالنجاة، بفرصة أخيرة كي تعود لابنتهما حياة طبيعية ولو بشكل جزئي.

والدها يتحدث بهذا الأمل الممزوج باليأس: «على أمل سفر بنتي للعلاج بأوروبا وتعمل عمليته».

وجع الطفولة الخفي

جوليا لا تعرف التفاصيل الطبية ولا تفهم معنى الورم الكيسي، لكنها تدرك شيئا واحدا.. أنها مختلفة، في عمر لا يتجاوز السنتين والنصف، تشعر بالخوف من ملامحها، تتجنب النظر في المرآة لأنها تخشى صورتها التي لا تشبه بقية الأطفال. هذا الخوف الطفولي يعكس ألما نفسيا لا يقل قسوة عن أوجاع الجسد.

نداء إنساني.. أخير

قصة جوليا ليست مجرد حالة مرضية نادرة تسجل في التقارير الطبية، بل قصة إنسانية مؤلمة تختصر معاناة طفلة بريئة وأسرة مسحوقة بين المرض والحصار، إنها رسالة مفتوحة إلى العالم أجمع.. رسالة تقول: هناك طفلة صغيرة في غزة تريد فقط أن تعيش مثل بقية الأطفال، أن تضحك وتلعب دون أن يقف ورم ضخم عائقا أمامها.

اليوم يقف والدها وأمها على أبواب الأمل الأخير، ينتظران معجزة تخرج ابنتهما من دائرة الألم. إن جوليا، بصمتها وبكاؤها، تستصرخ العالم أن يمد لها يد العون قبل أن يفوت الأوان. جوليا طفلة بريئة تقول بلسان حالها: «أريد أن أعيش».

المقالة السابقة
بعد تقرير «جسور».. القومي للإعاقة بمصر يتفاعل مع رفض استخدام لفظ «عاهة»
المقالة التالية
“موهوب”.. برنامج عُماني يفتح أبواب السياحة أمام ذوي الإعاقة

وسوم

أصحاب الهمم (43) أمثال الحويلة (387) إعلان عمان برلين (391) اتفاقية الإعاقة (520) الإعاقة (71) الاستدامة (712) التحالف الدولي للإعاقة (719) التشريعات الوطنية (531) التعاون العربي (401) التعليم (36) التعليم الدامج (36) التمكين الاقتصادي (50) التنمية الاجتماعية (710) التنمية المستدامة. (48) التوظيف (33) التوظيف الدامج (671) الدمج الاجتماعي (580) الدمج المجتمعي (107) الذكاء الاصطناعي (56) العدالة الاجتماعية (52) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (394) الكويت (54) المجتمع المدني (708) الولايات المتحدة (47) تكافؤ الفرص (702) تمكين (39) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (496) حقوق الإنسان (58) حقوق ذوي الإعاقة (68) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (87) ذوو الاحتياجات الخاصة. (681) ذوي الإعاقة (251) ذوي الهمم (40) ريادة الأعمال (380) سياسات الدمج (694) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (367) كود البناء (366) لغة الإشارة (40) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (702) مدرب لغة الإشارة (554) مصر (30) منظمة الصحة العالمية (573)