القاهرة – جسور – فاطمة الزهراء بدوي و سماح ممدوح حسن
في مشهدٍ فريد ومُلهم، احتفل معهد البحوث والدراسات العربية، بمنح الباحث إبراهيم الخولي، درجة الماجستير في الإعلام، عن رسالته المتخصصة في “المعالجة الإعلامية لقضايا القادرين باختلاف”.
قد يبدو الخبر للوهلة الأولى عاديا، لكنه في الحقيقة حدث استثنائيًا، لأن الباحث والمعيد إبراهيم الخولي، من أصحاب متلازمة داون.
وفى حديث لـ”جسور” قالت الدكتورة ريم عادل، أستاذة الإعلام بمعهد بحوث الدراسات العربية، وهى أحد المشرفين على مناقشة الرسالة، إن مسار إبراهيم كان أكاديميًا منضبطًا، بل يفوق في التميز كثيرًا من أقرانه، لم تكن حالته كأحد أصحاب متلازمة دوان عائقًا، بل أعطت للرسالة طابعًا إنسانيًا فريدًا، واختزالًا حيًا لفكرة “البحث من الداخل”، إبراهيم لم يكن موضوعًا للبحث، بل كان هو من اختار موضوعه، واقترح أدواته، وحدد رؤيته منذ البداية.
إبراهيم الخولي بين التحدي والإبداع
وعن التحديات التي واجهت أول باحث من متلازمة دوان، صرّحت الدكتورة ريم عادل، بأنه بالفعل واجه صعوبات حقيقية أثناء جمع البيانات، لا سيما في التواصل مع المسؤولين والخبراء والإعلاميين، وكذلك في الوصول إلى عينة تمثل القادرين بإختلاف، بشكل يُتيح استخلاص نتائج واضحة. لكن الصبر والمثابرة كانا عنوان تجربته، حتى خرجت الرسالة بالشكل الذي أبهر لجنة المناقشة.

وتضيف، اختار إبراهيم أدوات بحث نوعية، وتوجّه نحو تحليل كيفي، ما أتاح له الغوص في العمق، لا الاكتفاء بالملاحظة السطحية. وقد تبنّت الرسالة التركيز على الإعلام التقليدي (الإذاعة والتلفزيون والصحف) عوضًا عن الإعلام الرقمي، لتفادي تكرار أطروحات سابقة تناول هذه الوسائل، وقد وافق هذا التوجّه طبيعة الباحث من جهة، كما منح رسالته تميزًا في زاوية التناول.
الرسالة بوصفها موقفًا شخصيًا ووطنيًا
وتؤكد”ريم عادل” على أن رسالة إبراهيم الخولي لم تكن، منذ البداية مجرد بحث أكاديمي تقليدي، بل كانت انعكاسًا لقناعة شخصية حملها منذ اليوم الأول. قناعةٌ بأن “القادرون باختلاف” يستحقون تمثيلًا حقيقيًا في الإعلام، لا يُختزل في مناسبات، ولا يُقدَّم بمنظور الشفقة، وتقول: “منذ البداية، أصر إبراهيم على استخدام مصطلح “القادرون باختلاف” في كل مكاتباته وأبحاثه، وكان يعتبر أن الإعلام لم ينصف هذه الفئة، وأن الصورة السائدة عنهم يغلب عليها الطابع النمطي أو المناسباتي. لذا كانت رسالته، في جوهرها، محاولة علمية لتفكيك هذه الصورة، وإعادة تقديم القادرين باختلاف بصفتهم فاعلين ومنتجين في المجتمع، لا مجرد متلقين أو موضوعات للشفقة.
دور الأم.. سند حقيقي ودعم لا يُنسى
وراء هذا الإنجاز يبرز دور الأم، التي رافقت ابنها خطوة بخطوة، منذ بداية التحاقه بالمعهد، مرورًا بحضوره المنتظم للمحاضرات، وحتى التزامه بتسليم التكاليف والتفاعل مع الأساتذة، لم تكن مجرد داعمة، بل شريكة في المسار الأكاديمي الذي اختاره ابنها.
وتوضح الدكتورة ريم التوصيات والنتائج التى أثمرتها الدراسة، والتى يمكن تنفيذها، والعمل بها، وجاءت كالتالي:
- ضرورة تحويل تغطية الإعلام لقضايا القادرين باختلاف من مناسبات موسمية إلى سياسة إعلامية دائمة.
- ضرورة إبراز الجوانب الإنسانية والبطولية في حياة هذه الفئة، والتعامل مع قضاياهم بصفتها جزءًا من قضايا المجتمع كله.
- اقتراح استراتيجية إعلامية شاملة تراعي تنوع الوسائل والمنصات.
- التأكيد على إشراك ذوي الإعاقة أنفسهم في صياغة محتوى الإعلام المتعلق بهم، لا أن يُنتج عنهم من الخارج فقط.
-
أثناء مناقشة رسالة ماجستير الباحث إبراهيم الخولي
احتفاء محلي وعربي بالباحث إبراهيم الخولي
شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظ، لا يستطيع أحد انكاره، فى تغطية قضايا القادرون باختلاف، بالإعلام العربي، وهو ما دللت عليه، ريم عادل، بالتغطية الواسعة التى حظيت بها رسالة الماجستير للباحث إبراهيم الخولي، وتقول”لم يكن الصدى الذي أحدثته الرسالة محليًا فحسب، بل تجاوزه إلى تغطيات عربية، اعتبرت ما قام به إبراهيم مؤشرًا على وعي أكاديمي جديد، أكثر شمولًا. وكان ذلك بمثابة دعوة مفتوحة للمؤسسات البحثية العربية، إلى احتضان باحثين من ذوي الإعاقة، ومنحهم الفرصة لإنتاج المعرفة، لا الاقتصار على تناولهم بوصفهم “حالة” فقط.
في النهاية، هذه التجربة ليست مجرد لحظة رمزية، في قاعة مناقشة، بل مسار كامل يُعيد تعريف الدمج الحقيقي، ويؤسس لنموذج إعلامي وأكاديمي، أكثر عدلًا. فحين يُمنح الإنسان المختلف المساحة ليحكي قصته بنفسه، يصبح صوت المعرفة أصدق، وأكثر اقترابًا من الحياة.