Skip to content

زواج متلازمة داون.. حق مشروع أم مغامرة محفوفة بالمخاوف؟

زواج متلازمة داون.. حق مشروع أم مغامرة محفوفة بالمخاوف؟

لا توجد تعليقات

القاهرة – جسور- سماح ممدوح حسن 

على مدار اليومين الماضيين، تصدّرت قصة زفاف فتاة مصرية من شاب مصاب بمتلازمة داون، مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد انتشار مقطع فيديو مؤثر تظهر فيه العروس وهي تبكي، خلال حفل الزفاف، الذي أُقيم في محافظة الشرقية شرق القاهرة،.

انتشار مقطع الفيديو أثار تفاعلًا واسعًا وجدلاً كبيرًا بين مؤيدين يرون في الحدث انتصارًا لحقوق ذوي الإعاقة، ومعارضين شككوا في  أهلية الزوج  لتحمّل مسؤوليات الزواج.

الواقعة فتحت باب النقاش حول حق المصابين بمتلازمة داون في الزواج، بين الرؤية الشرعية والقانونية، والتقديرات الطبية والنفسية، ما دفع المختصين والجهات الرسمية إلى إصدار توضيحات بشأن مشروعية مثل هذه الزيجات وضوابطها.

وبعيدا عن نمطية الفكر السائد حول محدودية قدرات الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، فإن أن العديد من الدراسات العلمية تكشف واقعًا مختلفًا، حيث تؤكد أبحاث متخصصة أن هؤلاء الأفراد يمتلكون مشاعر عاطفية وجنسية طبيعية، ويعبر كثير منهم عن رغبتهم في الحب، والارتباط، وتكوين أسر مستقلة.

وبحسب دراسة نشرها موقعDSE، للباحث روي براون، يقول”في المجتمعات الحديثة، لم يعد الحديث عن زواج الأشخاص من ذوي متلازمة داون أمرًا مستبعدًا، بل أصبح جزءًا من النقاش حول حقوق الدمج والعيش المستقل. وأن زيادة متوسط العمر وتطور نماذج الدمج الاجتماعي تدفع بطبيعتها نحو الاعتراف بحق هؤلاء في الحب والشراكة. فالكثير من البالغين من ذوي المتلازمة، كما تؤكد مقابلات ميدانية، لديهم وعي واضح بمسألة الإنجاب واحتمالات انتقال الحالة ورغبة صادقة في تنظيم حياتهم وفقًا لقدراتهم وقناعاتهم، لا رغبات الآخرين.

ويوثق”براون” فى الدراسة حالات حقيقية لأزواج مصابين بمتلازمة داون يعيشون باستقلال نسبي، بعضهم داخل منزل العائلة وآخرون في شقق مستقلة بدعم خارجي، ويعبّرون عن حبهم وفخرهم بعلاقاتهم كما يفعل أي زوجين. وتظهر التجارب أن الشراكة لا تعزز فقط الصحة النفسية والاجتماعية، بل تحفّز النشاط، وتوسع دوائر التعلّم واللغة، وتدعم الدافعية الحياتية. صحيح أن بعض العلاقات تنتهي، كما يحدث في كل زواج، لكنها تمنح الأفراد فرصة للنمو، وفهم الذات، والتعامل الواعي مع الآخري

وفي السياق ذاته، تناول موقع Individuals with Down Syndrome، المتخصص في دراسات وتدريس متلازمة داون، قضية خصوبة الرجال المصابين بالمتلازمة، مشيرًا إلى أن المعلومات العلمية المتوفرة في هذا المجال لا تزال محدودة نسبيًا. ومع ذلك، فقد تم توثيق ما لا يقل عن ثلاث حالات أُكدت فيها أبوة رجال من ذوي المتلازمة.

ويُرجّح أن تظهر حالات أخرى في المستقبل، لا سيما مع تحسّن متوسط أعمار هؤلاء الرجال، وزيادة اندماجهم في المجتمع، وحصولهم على العلاج المناسب للمشكلات الجسدية والحسية، إلى جانب تحسّن تغذيتهم وتطوّر علاقاتهم العاطفية.

وفي الوقت الذي تتوسع فيه الدراسات الغربية حول متلازمة داون لتشمل مختلف جوانب الحياة، من التعليم إلى الاستقلالية الشخصية، ومن العلاقات العاطفية إلى الخصوبة والحق في تكوين أسرة، لا يزال التعامل مع هذه القضايا في العالم العربي محاطًا بكثير من التحفظ والصمت. فبينما يسعى الغرب إلى تمكين الأفراد ذوي المتلازمة من ممارسة أدوارهم الكاملة في المجتمع، بما في ذلك الزواج وبناء العلاقات، يُنظر في المجتمعات العربية إلى هذه المسائل باعتبارها “تابو” أو خطوطًا حمراء، إما بدافع الحماية الزائدة، أو بسبب الخوف من نظرة المجتمع، أو نتيجة غياب السياسات المؤسسية التي تدعم هذا التوجه.

مانريد تسليط الضوء عليه فى هذا المقال هى الحقائق العلمية. ولذا اجرت جسور مقابلات مع أطباء نفسيين وأطباء فى علم الوراثة والجينات.

في حديثه إلى جسور، تحدث الدكتور”جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، عن الفروقات بين الأشخاص من متلازمة داون من حيث درجة الذكاء والتطور العقلي المؤثر على أهلية كل حالة علي حدة فقال”يندرج جميع الأشخاص من متلازمة داون تحت تقييم قدرات عقلية منخفضة، اي أختبارات ذكائهم من 45 إلى 60، وتصل إحيانا إلى 65، لكن جميعهم يندرجون تحت المستوى المنخفض للقدرات العقلية، لكن ما يفرق بين حالة وحالة هو الاهتمام الأسري، والمتابعة والعناية المتواصلة من الأهل كتدريبه على أنجاز روتين الحياة اليومية كالنظافة الشخصية كالأكل والشرب ومعرفة أسماء المحيطين وأماكن المعيشة، وتميز العملات النقدية والتعامل بها حتي لو بعمليات حسابية بسيطة، أو ما يسمى بمعرفة القاعدة الحياتية الأساسية. وعليه تختلف حدة الذكاء من واحد لآخر من اصحاب هذه المتلازمة حسب درجة الاهتمام الأسري”

وفيما يتعلق بدور التأهيل النفسي والسلوكي المبكر فى تطوير قدرة هؤلاء الأشخاص لدرجة خوض علاقات عاطفيّة ناضجة يستأنف الدكتور جمال”بالتأكيد كلما خضع الشخص من متلازمة داون لعلاج تأهيلى ونفسي وسلوكي مع متخصصين من المنوط بهم تحديد ما إذا كانت الحالة تحتاج إلى علاجات دوائية أو لا، وكلما كان الشخص تحت الاشراف الطبي من الطبيب والأخصائي النفسي وتمريض نفسي، حينها نستطيع تنمية بعض المهارات وهذه المهارات تعلي من قدراته. لكن بالنسبة للعلاقات العاطفية فهذا أمر مختلف، لكن الثابت انه إنسان له احتياجات عاطفية وجنسية، وأنا كطبيب أعالج حالات متعددة تختلف طبقا للطرف الآخر فى العلاقة فكلما كان الطرف الأخر  لديهم من الاستعداد وقبول وقدرة على الإحتواء كلما سارت الأمور على نحو أفضل”

“الزواج بالنسبة للأشخاص من ذوي متلازمة داون ليس مجرد خطوة اجتماعية، بل هو تعبير عن نضج عاطفي وتطور نفسي يحتاج إلى دعم من الأسرة والمجتمع.” ويشير إلى أن هناك حالات ناجحة عديدة تؤكد إمكانية بناء علاقة مستقرة، إذا ما توفرت بيئة داعمة وفهم حقيقي لاحتياجات الطرفين.

ومن وجهة النظر الطبية، وتحديدًا الوراثية والجينية، يُنظر إلى مسألة زواج الأشخاص من ذوي متلازمة داون باعتبارها قضية دقيقة تتطلب فهماً عميقًا لطبيعة المتلازمة، وقدرات الأفراد، والمخاطر الوراثية المحتملة، قال  الدكتور محمد أبو بكر صبيح استشاري الأمراض الوراثيه والعيوب الخلقيه ، لـ “جسور ” من وجهة النظر العلمية، فإن أنواع متلازمة داون تنقسم إلى ثلاثة أنواع، منهم نوعان غير متوارثين، الثلاثي والمختلط، ونوع منهم متوارث. ما يهم هنا أن الشخص المصاب بمتلازمة داون 100% قادر على إنجاب أطفال أصحاء غير مصابين بالمتلازمة، لكن هذا الشخص في الأساس قدرته على الإنجاب تختلف بنسب معينة. بمعنى أن النوع الثلاثي يُنجب أطفالًا غير مصابين بنسبة 50%، وكذلك النوع المختلط يُنجب أطفالًا غير مصابين بنسبة من 20 إلى 70%.

وعما إذا كان أصحاب متلازمة داون مؤهلين بالأساس للزواج، يكمل: “هذه هي الفكرة المهمة.، فمعنى أهليته للزواج، أي أن لديه قدرات ذهنية سليمة لإدارة الحياة الزوجية، ولديه قدرة جسدية وعضوية على إقامة علاقة زوجية تُنجب طفلًا سليمًا، ولديه قدرة على الاعتناء بأطفاله فيما بعد. وهذه أهم المحاور الواجب تقييمها قبل الزواج.

ولتحديد القدرات الذهنية، لا بد من إجراء تقييم سلوكي ووظيفي لقدراته الذهنية والإدراكية. فلو ثبت أن لديه قدرة مقبولة على التواصل والتفاهم، حينها يكون صالحًا للزواج. أما إذا ثبت العكس، وكانت القدرات الذهنية والإدراكية غير مقبولة، فحينها سيكون لديه تأخر ذهني وعقلي، فلا يصح تزويجه حتى من الناحية العلمية.

أما بالنسبة للقدرة العضوية، وهي المشكلة الموجودة بنسبة كبيرة لدى أصحاب متلازمة داون، رجالًا ونساءً، فبنسبة كبيرة لا تكون لديهم قدرة على الإنجاب، وهنا نقطة في غاية الأهمية، ويجب على الأهل مناقشتها مع المصابين بمتلازمة داون قبل الزواج، وهي: هل لديهم قدرة إنجابية سليمة أم لا؟ فبالنسبة للشاب من متلازمة داون، لا بد من خضوعه لتقييم طبيب أمراض ذكورة لتحليل وفحص كل أعضائه التناسلية.

النقطة الثالثة هي قدرته على إقامة علاقة زوجية مع زوجته، وكذلك الأمر إن كانت السيدة هي المصابة بالمتلازمة. وفي هذه النقطة تحديدًا نواجه ونرى يوميًا العديد من المشكلات، عندما تُزوج الأمهات أبناءهن الذكور المصابين بالمتلازمة بفتاة طبيعية، وحينها لا يستطع الشاب، ولا يفهم أو يدرك، معنى إقامة العلاقة الزوجية طوال شهور.

النقطة المتعلقة بالإنجاب هي الأكثر أهمية، والمتعلقة بقدرته على تحمّل مسؤولية الأطفال بعد إنجابهم. إذا ما اجتاز الشخص كل هذه التقييمات: قدرات عقلية وإدراكية وجسدية وإنجابية، حينها يكون صالحًا للزواج.

وعن دور العلم والطب في تحديد ما إذا كان من الممكن أن يرث الأبناء المتلازمة عن آبائهم، يوضح الدكتور محمد تلك الجزئية ويقول: “هذه هي النقطة التي حسمها العلم بإنجاز طبي عظيم عن طريق الحقن المجهري باختيار جنين سليم غير مصاب بمشكلات الكروموسومات الموجودة عند الأبوين، بالإضافة إلى إجراء تحليل (nipt) بعد الحمل في الأسبوع العاشر، لتحديد كروموسومات الجنين والاطمئنان على عدم إصابته.”

وعند سؤاله عن موقفه من زواج مصابي متلازمة داون، قال: “هذه النقطة اجتماعية أكثر. فكما أوضحت، إذا توافرت في الشخص القدرات الذهنية والخصوبة وغيرها، فلا مانع من زواجه. فهناك أطفال داون يلتحقون بمدارس دولية وخاصة ويتفوقون فيها، ويكونون متطورين علميًا وعمليًا ورياضيا. لكن النقطة التي لا بد أن يركز عليها الناس هي أن ليس كل أنواع متلازمة داون بنفس القدرات، ويجب إجراء تحاليل قبل الزواج لمصابي متلازمة داون. من المهم جدًا، إذا سمح المجتمع بمثل هذه الزيجات، ليس داون فقط، بل لأي شخص مصاب بأمراض مزمنة، أن يكون هناك إطار طبي معين لهؤلاء الأشخاص، فإن لم يتحرك هؤلاء الأشخاص، فلا يتحمل أحد العواقب غير الأطفال الذين سينجبونهم.”

المقالة السابقة
سويسرا تفتح الطريق لإتاحة الخدمات الرقمية لذوي الإعاقات البصرية
المقالة التالية
جامعة عين شمس تدشن وحدة لمتابعة الأطفال المبتسرين من ذوي الإعاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed