زيمبابوي – جسور- فاطمة الزهراء بدوي
تحيى زيمبابوي اليوم، ذكرى وفاة أحد أبرز رموز العمل الإنساني والاجتماعي، في القارة الإفريقية، جيروس جيري (1921 – 1982)، الذي يُعد من أوائل من قدموا خدمات دعم ورعاية متكاملة لذوي الإعاقة، واضعًا الأساس لأول حركة اجتماعية وطنية قائمة على القيم التقليدية النابعة من الثقافة الزيمبابوية.
وُلد جيري عام 1921 في قرية بيكيتا، وسط أسرة بسيطة زرعت فيه قيم التعاون والعطاء. ورغم أنه لم يتلقَ أي تدريب أكاديمي في مجال العمل الاجتماعي، فقد بدأ مبكرًا في تقديم المساعدة لمن حوله، وتعلم من والديه وأفراد مجتمعه المحلي تقاليد “أونهُو” التي تقوم على الرحمة والاحترام والمسؤولية تجاه الآخرين. لاحقًا، عمل كعامل بسيط في منشأة لإعادة تأهيل الجنود البيض المصابين بعد الحرب العالمية الثانية في مدينة بولاوايو، وهناك تفتح وعيه تجاه احتياجات ذوي الإعاقة.
بحلول عام 1940، قرر تحويل مبادراته الفردية إلى مؤسسة منظمة، فأسس “جمعية جيروس جيري للأشخاص ذوي الإعاقة”، مستخدمًا جهده الشخصي وموارده القليلة لتوفير خدمات التأهيل والتعليم المهني لذوي الإعاقة، مع التركيز على اكتساب مهارات تُمكنهم من العيش باستقلالية. توسعت أنشطته تدريجيًا، وبدأ المجتمع يلتف حول فكرته، ليتحول المشروع الصغير إلى شبكة واسعة تخدم الآلاف.
كانت رؤيته مختلفة عن كثير من التصورات السائدة آنذاك؛ فقد آمن بأن العجز لا يعني الضعف، وأن كل إنسان يمكن أن يسهم في بناء مجتمعه إذا توفر له الحد الأدنى من الدعم والفرص. ولم يعتمد على العطاء الإغاثي فقط، حيث عمل على تطوير برامج تمكينية مستدامة تدمج ذوي الإعاقة في الاقتصاد المحلي.
عند وفاته عام 1982، اعترفت الدولة بمكانته الرفيعة ومنحته وسام “بطل قومي”، لكن أسرته اختارت دفنه في قريته الأم، حيث بدأ منها رحلته مع الإنسانية. بعد سنوات، أطلقت الحكومة اسمه على جائزة وطنية تُمنح سنويًا لمن يُسهمون في دعم المجتمعات الهشة، مثلما فُعل مع من ساعدوا ضحايا إعصار إيداي عام 2019.
اليوم، تُدرس تجربته في كليات العمل الاجتماعي كنموذج إفريقي نابع من سياقه المحلي، لم يعتمد على تمويل دولي أو تقنيات أجنبية، ولكن على منظومة أخلاقية متجذرة في ثقافة مجتمعه. وقد حصل على جوائز محلية ودولية كثيرة، تقديرًا لإرثه الذي لا يزال حيًّا في وجدان زيمبابوي.
تُعد ذكراه مناسبة لتجديد النقاش حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ودور الدولة في تأمين حياة كريمة تضمن لهم المساواة في التعليم والعمل والكرامة. فبينما تتغير السياسات، يبقى العمل الصادق المبني على محبة الناس هو الذي يخلد صاحبه.