يمثل القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر محطة فارقة في التشريعات الاجتماعية، حيث جاء ليؤكد التزام الدولة بدمج هذه الفئة وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم، ومن أبرز الامتيازات التي نص عليها القانون إعفاء سيارات ذوي الإعاقة من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، على أن يحق لهم استيراد سيارة معفاة كل خمس سنوات.
لكن المشهد تغير مؤخرا، بعد أن أقر مجلس الوزراء المصري تعديلات جديدة رفعت هذه الفترة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، وهي خطوة وصفت بأنها جذرية ومثيرة للجدل، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل جاء القرار استجابة للتلاعب بالامتيازات، أم أنه انعكاس للأزمة الاقتصادية التي تضغط على موارد الدولة؟.
من 5 إلى 15 عاما
قبل التعديل، كانت المادة 31 من القانون تسمح للشخص ذي الإعاقة باستيراد سيارة واحدة معفاة من الضرائب مرة كل خمس سنوات، مع منع التصرف فيها بالبيع أو التوكيل خلال هذه الفترة، غير أن التعديلات الجديدة جاءت بعدة تغييرات جوهرية مثل تمديد المدة الزمنية إذ أصبح يحق للشخص استيراد سيارة معفاة مرة واحدة كل 15 عاما فقط.
فيما أضيفت قيود جديدة، منها أن لا يكون المستفيد من برامج الضمان الاجتماعي، وأن يتم دفع ثمن السيارة من حسابه الشخصي أو حساب أحد أقاربه من الدرجة الأولى، كذلك تم تحديد السعة اللترية للسيارات بحد أقصى 1200 سي سي، وأن يكون عمر السيارة المستوردة بحد أقصى 3 سنوات، وفي حال مخالفة الشروط، تحصل الرسوم الجمركية كاملة بالإضافة إلى غرامات وربما الحبس.

مواجهة التلاعب والفساد
الحكومة المصرية بررت هذه الخطوة بمواجهة ما وصفته ب«التلاعب الواسع» في استيراد سيارات ذوي الإعاقة، فقد كشف المتحدث باسم مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني، أن الامتيازات كانت تستغل على نحو «مسيء وصادم»، بينما أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن الهدف هو ضمان وصول السيارات إلى مستحقيها فقط.
الأرقام الرسمية دعمت هذه التبريرات إذ أشارت بيانات مصلحة الجمارك إلى أن ما بين 70% و80% من السيارات المعفاة لم تصل إلى أصحاب الإعاقات، بل انتهى بها الحال في شبكات تجارة غير مشروعة. بعض الحالات شهدت استيراد سيارات فارهة مثل بورش ومرسيدس مايباخ، لتهدر على الدولة ملايين الجنيهات من الرسوم الجمركية، منها واقعة واحدة بلغت خسائرها نحو 7 ملايين جنيه.
هذه المعطيات عكست قصورا واضحا في الرقابة القديمة، ما دفع الدولة إلى إعادة هندسة المنظومة برمتها، عبر تقليص فرص الاستغلال وتشديد الضوابط.
الدوافع الاقتصادية الكامنة
رغم وضوح المبررات الرسمية، إلا أن التعديل لا يمكن فصله عن السياق الاقتصادي العام، فمصر تواجه أزمة خانقة في النقد الأجنبي، مع تراجع قيمة الجنيه وزيادة أعباء الدين الخارجي، وهو ما جعل الحكومة تسعى لتقليص الواردات غير الضرورية للحفاظ على احتياطيات الدولار.
ووفقا لنائب رئيس شعبة السيارات، أسامة أبو المجد، في تصريحات إعلامية، فإن سيارات ذوي الإعاقة تمثل نحو 25% من إجمالي السيارات المستوردة سنويا، وبما أن معظمها يدخل عبر قنوات استغلال غير مشروعة، فقد رأت الحكومة أن تقليص الإعفاءات يمثل وسيلة مزدوجةوهي من جهة الحد من استنزاف العملة الصعبة، ومن جهة أخرى التصدي للتلاعب في آن واحد.
بمعنى آخر، فإن الأزمة الاقتصادية كانت المحرك الخفي للتعديل، بينما وفرت أزمة الفساد غطاء شرعيا ومقبولا لتطبيق القرار.
التداعيات وردود الفعل
أحدث القرار انقساما بين المستفيدين والخبراء، فبينما اعتبره بعضهم ضرورة حتمية لضبط المنظومة، رأى آخرون أنه عقاب جماعي قد يضر بالفئات الأكثر احتياجا.
وصف أسامة أبو المجد مدة الـ15 عاما بأنها «مبالغ فيها»، مشيرا إلى أن أغلب ذوي الإعاقة من محدودي الدخل لا يقدرون على شراء سيارات جديدة، بل يعتمدون على المستعملة، وبذلك فإن إجبارهم على الاحتفاظ بالسيارة لفترات طويلة يعني أن عمرها قد يتجاوز 30 عاما ما يجعلها غير صالحة للاستخدام.
واشتراط عدم الاستفادة من برامج الدعم الحكومي مثل تكافل وكرامة، والدفع عبر حساب بنكي شخصي، قد يقصي شرائح واسعة من المستحقين الفعليين، هذه الفئة غالبا ما تعاني من ضعف الموارد ولا تمتلك حسابات مصرفية نشطة.
هذه الانتقادات تثير تساؤلات حول مدى عدالة التعديل، وهل ينجح بالفعل في تحقيق هدفه دون أن يحرم الفئات الأضعف من حقوقها الأساسية.

حقائق وأرقام
يتضح من تحليل التعديلات أن القرار جاء نتاج توازن معقد بين الحاجة لمكافحة التلاعب والضغوط الاقتصادية، غير أن النجاح الحقيقي للتعديلات يتوقف على قدرتها على الموازنة بين حماية المال العام وضمان الحقوق الإنسانية لذوي الإعاقة.
ووفقا للمسح القومي للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر لعام 2022، بلغت نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من الدرجة الكبيرة إلى المطلقة 4.9% من إجمالي سكان مصر، مع ارتفاع هذه النسبة في المناطق الحضرية. كانت الصعوبة الحركية السفلية هي الأكثر شيوعًا بين أنواع الإعاقات الكبيرة، تليها الصعوبة البصرية ثم صعوبة العناية بالنفس. وتوضح النتائج أن عدد الذكور من ذوي الإعاقة يفوق الإناث بقليل، وأن أعلى نسبة من ذوي الإعاقة توجد في الفئة العمرية 65 عامًا فأكثر. كما أن حوالي 40% منهم لم يلتحقوا بالتعليم أبدا، وأكثر من 92.2% لا يعملون.
وكان كشف المسح عن أبرز أنواع الإعاقات المنتشرة في البلاد، حيث تصدرت الصعوبة الحركية السفلية قائمة الإعاقات الأكثر شيوعًا، والتي مثلت أعلى نسبة سواء في الإعاقات الشديدة والمطلقة بنسبة 2.56%، أو في الإعاقات التي تتراوح بين الصعوبة الجزئية والمطلقة بنسبة 6.63%، وجاءت الصعوبة البصرية في المرتبة الثانية بين أنواع الإعاقات، تليها صعوبة العناية بالنفس في المرتبة الثالثة من حيث الانتشار.
وبشكل عام، ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير رسمي أن إجمالي عدد المركبات المرخصة بمحافظات الجمهورية بلغ 10.41 مليون مركبة في 31 ديسمبر 2024، مقابل 9.95 مليون مركبة في 2023، بارتفاع نسبته 4.7%، مؤكدا أن محافظة القاهرة جاءت في المرتبة الأولى، حيث بلغ عدد المركبات بها 2.7 مليون مركبة بنسبة 25.9%، تليها محافظة الجيزة في المرتبة الثانية بعدد 1.5 مليون مركبة بنسبة 14.2%، ثم محافظة الإسكندرية في المرتبة الثالثة بعدد 745.6 ألف مركبة بنسبة 7.2%، بينما جاءت محافظة جنوب سيناء في المرتبة الأخيرة بعدد 44.6 ألف مركبة بنسبة 0.4%.