صمت لم يمنع الحلم.. رحلة دارجان مولدوڤانوفيتش لقيادة الاتحاد الدولي لشطرنج الصم

صمت لم يمنع الحلم.. رحلة دارجان مولدوڤانوفيتش لقيادة الاتحاد الدولي لشطرنج الصم

المحرر: صربيا- سحر شيبة
دارجان مولدوڤانوفيتش

انطفأ صوت العالم من حوله. لكن بريق الحياة لم ينطفئ. بل على الرغم من ذلك. لم يوقفه الصمت. ولم يقتل شغفه السكوت. وعلى العكس تمامًا. تعلم كيف يسمع بعينيه. ويفهم بقلبه.

وهكذا. ومع مرور الوقت. ولكن بإرادة صلبة ودعم أسري خالص. نما عالمه الخاص الذي أتاح له فرصة اكتشاف نفسه وبناء قدراته. وذلك من أجل أن يصبح فيما بعد رمزًا لشطرنج الصم في صربيا والعالم. بل ويحمل راية شطرنج الصم بثبات وإصرار.

طفولة صامتة وعالم مليء بالحب والدعم

في البداية. يحكي دارجان مولدوڤانوفيتش نائب رئيس الاتحاد الدولي لشطرنج الصم رحلته لـ«جسور» قائلًا. «نشأت في بلدة صغيرة تُسمى ستاري بانوفسي. على مقربة من بلغراد. وفي وقت مبكر من حياتي. فقدت السمع عندما كنت في الثالثة والنصف من عمري بسبب التهاب أذن شديد. وكانت تلك اللحظة تحديدًا بداية تحدٍ جديد في حياتي».

ثم يضيف. «لكن. ورغم ذلك. كنت محظوظًا. فوالداي وأخي كانوا دائمًا بجانبي. يقدمون لي الحب والدعم بلا شروط. ويجعلونني أشعر أنني لست وحيدًا أبدًا».

دارجان مولدوڤانوفيتش مع المنتخب
دارجان مولدوڤانوفيتش مع المنتخب

ومن هنا. يواصل دارجان حديثه قائلًا. «بعد ذلك. درست في مدرسة للصم حيث كان المعلمون يستخدمون لغة الإشارة. وكان كل شيء معدًّا لتسهيل التعلم والتواصل. وبطبيعة الحال. كانت البيئة التعليمية مليئة بأصدقاء يمرون بنفس الظروف. فكان الفهم بيننا طبيعيًا بلا الحاجة لشرح طويل».

وبمرور الوقت. يؤكد. «ولذلك. لم تنتهِ هذه الصداقات مع انتهاء المدرسة. بل بقيت جزءًا من حياتي حتى اليوم. تذكّرني دومًا بقوة الروابط الإنسانية والدعم المشترك».

الشطرنج لغة الصمت وأرض الإنجازات

في مرحلة لاحقة. ينتقل دارجان للحديث عن شغفه الرياضي قائلًا. «منذ الصغر. كنت نشيطًا في الرياضة. وكان لهذا الأمر أبلغ الأثر في حياتي. فقد لعبت كرة السلة وكرة اليد وكرة القدم. ومع كل لعبة. كنت أشعر بمزيد من الحرية والقوة».

لكن في المقابل. يوضح. «ومع الوقت. كان الشطرنج عالمي الخاص والمفضل. حيث وجدت فيه التحدي الأسمى والمتعة الحقيقية». ومن هنا تحديدًا. برز ارتباطه العميق برياضة «شطرنج الصم» التي شكّلت مسار حياته الرياضي والإنساني.

خلال بطولة العالم
خلال بطولة العالم

وعلى مدار السنوات. يضيف دارجان. «بعد ذلك. شاركت في مسابقات عديدة وحصدت ثماني ميداليات. لكن. بلا شك. كانت أكثر اللحظات تأثيرًا في حياتي هي الميدالية الذهبية التي فزنا بها في أولمبياد شطرنج الصم في مانشستر عام 2018».

ويتابع بتأثر. «حينها. كان شعورًا لا يوصف حين ترى جهودك وجهود فريقك تُكلل بالنجاح. وحين تدرك أنك تمثل بلدك على أعلى مستوى. وبذلك. كانت تلك اللحظة برهانًا واضحًا على أن الصمت لا يعني العجز. وأن المثابرة والإيمان بالنفس يمكن أن تحقق المعجزات».

الإيمان بالنفس وقوة الدعم

ومن زاوية أعمق. يواصل دارجان حديثه عن رحلته قائلًا. «وعلى امتداد هذه الرحلة. تعلمت أن الدعم الحقيقي من الأسرة والأصدقاء هو أساس القوة. وأن أي تحدٍّ يمكن التغلب عليه إذا كان لديك هدف واضح وإيمان بما تفعله».

ثم يوضح. «ولهذا السبب. لم يمنعني الصمت من التعبير عن نفسي. ولكنه لم يوقفني عن متابعة شغفي. بل على العكس. جعلني أكثر تصميمًا على النجاح وإلهام الآخرين».

وبذلك. ومع تراكم الخبرات والنجاحات. استطاع دارجان أن يجمع بين لعبته المفضلة والقيادة العالمية لرياضة «شطرنج الصم». حيث أصبح نموذجًا ملهمًا داخل هذا العالم الصامت الناطق بالإنجاز.

رسالة لذوي الإعاقة نابعة من تجربة نجاح

وفي الختام. ومن قلب التجربة. يوجّه دارجان رسالته لكل ذوي الإعاقة قائلًا. «رسالتي اليوم نابعة من حياة طويلة عشتها بكامل تحدياتها. وكذلك كنت فيها بطل حكايتي».

ثم يؤكد. «ومن هذا المنطلق. على كل من يواجه تحديات أن يدرك جيدًا أن الحياة بسيطة مهما بدا لك عناؤها. حيث لا شيء مستحيل طالما آمنت بنفسك».

مع منتخب بلاده
مع منتخب بلاده

ويضيف. «وبالتالي. اعلم أن كل خطوة مهما كانت صغيرة تقربك من حلمك. ولذلك عليك أن تتمسك جيدًا بمن يدعمك ويؤمن بك قدر تمسكك بحلمك. لأن هؤلاء الأوفياء هم جزء من رحلتك. وكذلك دليلك وقت السقوط وسندك للوقوف من جديد».

وينهي كلماته قائلًا. «وأخيرًا. لا تيأس مهما داهمك اليأس. فكل صباح جديد هو فرصة جديدة للنجاح. وكذلك حياتي دليل على أن الجهد والمثابرة والاحتفاء بالنجاحات الكبيرة والصغيرة يمكن أن تجعل الإنسان يتجاوز أي عقبة. ويصنع أثرًا في حياته وحياة الآخرين».

المقالة السابقة
 قصص إرادة وتميز في حفل تكريم أصحاب الهمم بجامعة الزرقاء بالأردن
المقالة التالية
مبادرة صينية لتحسين حياة كبار السن من ذوي الإعاقة بالمناطق الريفية