شنودة مؤمن بشير.. طفل كفيف صهر الإعاقة بالحديد والنار

شنودة مؤمن بشير.. طفل كفيف صهر الإعاقة بالحديد والنار

المحرر: محمود الغول - مصر
الطفل الكفيف شنودة في الورشة

في قرية البرشا التابعة لمركز ملوي، في محافظة المنيا، بصعيد مصر، يعيش الطفل شنودة مؤمن بشير، الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة، من عمرة، لكنه حمل منذ ولادته عبئا كبيرا يفوق قدرته كطفل على استيعاب ما جرى.

فقد شنودة بصره بسبب عيب خلقي، هذه هي القصة التي اجتازت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، لتصبح مصدر إلهام ودرس في التحدى والمثابرة لكل من قرأها.

منذ نعومة أظفاره كان شنودة مختلفا، العيب الخلقي الذي حرمه من نعمة البصر، لم يمنعه من الحلم، ولم يطفئ في قلبه أملا، تقول والدته في حديثها عنه للصحف المحلية إنه «ذكي جدا، ومحبوب بين أصدقائه، عمره ما اشتكى، ولا استسلم».

في مدرسة «النور للمكفوفين» بمدينة المنيا، وجد شنودة ضالته، هذه المدرسة تمثل بيئة تأهيلية متخصصة، توفر أدوات تعليمية ملائمة لذوي الإعاقة البصرية، وبين جدرانها برز تفوقه الدراسي، إذ حصل على المركز الأول على مستوى محافظة المنيا، وهو إنجاز كبير لطفل يحمل هموما إضافية غيرها.

لكن التفوق الأكاديمي لم يكن كافيا لشنودة، ففي أيام الأجازة الدراسية، التي تم تخصيصها له ثلاث أيام أسبوعيا، لم يسترح كما يفعل غيره من التلاميذ الصغار، بل يذهب إلى ورشة حدادة ولحام في قريته.

وهناك بين معدات وأجهزة لحام الحديد، تعلم الصبي الصغير مراوغة اللهب، يحمل أدواته ويتقن المهام الآمنة له، ويساعد في نقل الحديد، ويجتهد رغم الإعاقة البصرية التي ترافقه منذ ولادته، كل هذا لكي يدعم نفسه ويخفف عبء المصروفات الدراسية، ويثبت لنفسه وللآخرين أن الإعاقة ليست نهاية ولا عائقا أبديا.

فيديو شرارة التغيير

كما يحدث في كثير من القصص الملهمة، كان لمقطع الفيديو  الذي ظهر فيه شنودة، عبر مواقع التواصل، وهو يعمل في الورشة بإتقان ورشاقة ، رغم ظلام بصره، الأمر الذي أثار حالة من الإعجاب والإشادة والتضامن مع شنودة.

رواد مواقع التواصل طالبوا الجهات المعنية بضرورة التحرك لمساعدته، ودعمه ماديا ومعنويا، وهو ما دفع وزارة التضامن الاجتماعي إلى التدخل، حيث أعلنت أنها تدرس حالته لتقديم كل أشكال الدعم الممكنة له.

بين حلم الهندسة والحياة اليومية

يقول شنودة إنه يطمح إلى الالتحاق بكلية الهندسة، وأن يمتلك هاتف حديث بقدرات مناسبة لذوي الإعاقة، حتى يتمكن من التواصل والتعلم بصورة أفضل.

ولأن الواقع لا يرحم فالحياة اليومية تملي عليه تحديات لم تكن في حسبان صبي في مثل عمره، فالمسافة بين قريته ومدرسته هي أحد هذه التحديات، إذ تضطر أسرته أحيانا لتأمين سكن داخلي له في المدينة، ليتمكن من مواصلة دراسته.

في الورشة يتعامل معه صاحبها «أمين» بعناية، حيث يكلفه بالمهام الآمنة فقط، وينظر إلى حالته بعين الرحمة، ويحاول قدر الإمكان تقليل المخاطر التي قد يتعرض لها خلال العمل.
هذا الدعم المحلي مهم جدا، لأنه يلخص روح التعاون المجتمعي في الصعيد، حيث الجيرة والصداقة والأهلية تلعب دورا مهما في مواجهة التحديات التي تتراكم يوميا.

الطفل الكفيف شنودة مؤمن بشير يعمل في الورشة
الطفل الكفيف شنودة مؤمن بشير يعمل في الورشة

 

قصة شنودة تمثل أكثر من إدهاش أو إلهام عابر، هي رسالة لن يتركها الزمن، فتارة يذكر بأنه «طفل كفيف يعمل»، وتارة أخرى بأنه «طالب يحتل المراتب الأولى في المحافظة» وهاتان الصفتان معا، العمل والدراسة، يشكلان مزيجا نادرا، مفادة أن القدرات لا تقاس بالبصر وحده، بل بالعزيمة والإرادة.

ومن بين التعليقات التي وصلت إليه، تعليق يتجلى فيه التقدير المجتمعي مثل «النور مكانه في القلوب» وعبارات يرددها من يدرك أن هناك نورا آخر لا يرى، نور ينبض داخل الروح، رد الفعل هذا كثير ما يكون شعبيا بسيطا، لكنه يتحول إلى مدخل عملي عندما يعبر عن رغبة جماعية في تحميل المسؤوليات للدولة، في توفير الحقوق، وتقديم الدعم لمن لا يستطيع بنفسه مواجهة كل الأعباء اليومية.

الدعم الرسمي من الدولة 

لم يكن غض الطرف خيارا أما المؤسسات الحكومية المسؤولة عن ملف ذوي الإعاقة، بعد انتشار الفيديو، إذ أعلنت جهات رسمية، من بينها وزارة التضامن الاجتماعي، أنها تدرس وضع شنودة وأسرته في منظومة الحماية الاجتماعية، لتقديم المساعدة له في المعيشة والدراسة، هذه الاستجابة وإن كانت تأخرت، إلا أنها تبين أن هناك اتجاه يرفض تجاهل قصص ملهمة، فجرتها منصات التواصل، التي أصبحت محركا حقيقيا لتغيير أوضاع الفئات المهمشة.

معاناة شنودة لا تزال مستمرة، فالأطباء قالوا إن حالته ناتجة عن عيب خلقي، ولا يمكن إصلاحه عن طريق الجراحة، كما أن التوفيق بين العمل والدراسة يتطلب منه جهدا مضاعفا، حيث يقضي أيام الأسبوع في المدرسة، وفي أيام العطلة يذهب إلى الورشة.

ورغم كل ذلك يظل شنودة مؤمن بشير رمزا للإنسان المكافح، الملهم، رغم ضعف جسده، وفقدان بصره، صاحب إرادة لا تقل صلابة عن الحديد الذي يحاول تطويعه بالنار.

المقالة السابقة
«إحنا سندك».. مبادرة مصرية لتمكين ذوي الإعاقة في دمياط
المقالة التالية
«يدعى إسحاق».. مراهق يكشف نقصًا حادًا برعاية أطفال التوحد ببريطانيا

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (398) اتفاقية الإعاقة (587) الإعاقة (124) الاستدامة (1000) التحالف الدولي للإعاقة (975) التشريعات الوطنية (762) التعاون العربي (432) التعليم (73) التعليم الدامج (62) التمكين الاقتصادي (77) التنمية الاجتماعية (996) التنمية المستدامة. (73) التوظيف (58) التوظيف الدامج (736) الدامج (50) الدمج الاجتماعي (628) الدمج المجتمعي (152) الذكاء الاصطناعي (78) العدالة الاجتماعية (64) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (430) الكويت (77) المجتمع المدني (981) الولايات المتحدة (59) تكافؤ الفرص (975) تمكين (73) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (521) حقوق الإنسان (69) حقوق ذوي الإعاقة (88) دليل الكويت للإعاقة 2025 (372) ذوو الإعاقة (140) ذوو الاحتياجات الخاصة. (946) ذوي الإعاقة (487) ذوي الهمم (49) ريادة الأعمال (387) سياسات الدمج (963) شركاء لتوظيفهم (382) قمة الدوحة 2025 (574) كود البناء (374) لغة الإشارة (59) مؤتمر الأمم المتحدة (337) مجتمع شامل (970) مدرب لغة الإشارة (620) مصر (63) منظمة الصحة العالمية (641)