في كل يوم، يثبت العلم أنه لا مستحيل، ومؤخراً، أعادت قصة استثنائية لرجل كندي، يُدعى برنت تشابمان الأمل لملايين من فاقدي البصر حول العالم، بعدما تداولتها العديد من الصفحات والمجلات العلمية والطبية بوصفها “بارقة أمل” وتجسيداً مذهلاً لما يمكن أن تحققه التكنولوجيا الطبية في وقتنا الحالي.
الكندي تشابمان، البالغ من العمر 43 عاماً، استعاد بصره بعد أكثر من 20 عاماً من العمى، من خلال إجراء نادر يُعرف باسم جراحة “السنّ في العين” (Osteo-Odonto-Keratoprosthesis – OOKP)، ليكون من أوائل من خضعوا لها في كندا.
العملية تعد طفرة طبية حقيقية أعادت له الرؤية بعد أن فقدها في سن الثالثة عشر نتيجة إصابته بمتلازمة ستيفنز–جونسون النادرة، وخضوعه لاحقاً لأكثر من 50 عملية جراحية دون جدوى.
في أول تقرير علمي بارز، نشره موقع CP24 الكندي بتاريخ 24 فبراير 2025، أعلن تشابمان أنه سيخضع للعملية الأولى من نوعها في البلاد، تحت إشراف الدكتور غريغ مولوني، وفريقه الطبي، في مستشفى ماونت سانت جوزيف في فانكوفر، وقد أُجريت الجراحة بنجاح لاحقاً في يونيو، لتصبح قصته مثالاً نادراً على التقدم الطبي الذي يتجاوز المألوف.
تتكون الجراحة من أربع مراحل رئيسية، الأولى هي اقتطاع السن، حيث يتم اقتلاع سن من فم المريض، غالباً ناب أو ضرس صغير، مع قطعة من عظم الفك والأنسجة المحيطة به، ثم تأتى المرحلة الثانية وهي زرع عدسة داخل السن، حيث يجرى ثقب السن بدقة، ليتم غرس عدسة بصرية صغيرة (Optical Cylinder) بداخله، بحيث يتحول إلى حامل بيولوجي للعدسة.
وفي المرحلة الثالثة يتم زرع “السن – العدسة” مؤقتاً تحت جلد الخد أو الصدر لعدة أشهر، حتى يتغذى بالدم ويتحول إلى نسيج حي متكامل.
ثم تاتى المرحلة الأخيرة، وهي زارعة السن في العين، حيث يتم إزالة القرنية التالفة وأي أنسجة غير قابلة للإصلاح من العين، ويزرع السن – الذي يحتوي على العدسة – داخل العين، بحيث تكون العدسة موجهة إلى الخارج لاستقبال الضوء.
بعد شفاء العين، يبدأ المريض في استعادة الرؤية تدريجياً، حيث تمر أشعة الضوء من العدسة مباشرة إلى داخل العين.
وردا على تساؤل مهم، وهو لماذا يُستخدم السن تحديداً، الإجابة هى أن السنّ هو نسيج حي وصلب ومن الجسم نفسه، ما يجعله مقاوماً للتلف ومتوافقاً تماماً مع جهاز المناعة، فلا يُرفض كجسم غريب، إلى جانب قدرته على حماية العدسة البصرية من الالتهاب أو التآكل بفضل العظم المحيط به.
بالنسبة لتشابمان، كانت النتيجة لا تصدّق، فبعد ثلاثة أشهر من التحضير، ومرحلة الزرع النهائي، فتح عينيه من جديد ورأى العالم بوضوح، يقول وهو سعيد: “كأن حياتي عادت إلي بعد عقدين من الظلام”.
نجاح هذه الجراحة، ليس فقط إنجازاً طبياً نادراً، بل بارقة أمل حقيقية لفاقدي البصر بسبب الحالات المستعصية، خاصة أولئك الذين لم تنجح معهم عمليات زرع القرنية التقليدية