.png)
ضريبة الدم الواحد هي ثمن باهظ دفعته عائلة سورية بسيطة. في مقطع فيديو مؤثر انتشر مؤخرا عبر منصة فيسبوك، نجح صانع المحتوى السوري المعروف باسم أبو طه السوري في تسليط الضوء على مأساة عائلية ظلت لسنوات طي الكتمان. مأساة أبطالها ثلاثة أشقاء: طلال وسارة وجمعة، حولهم مرض وراثي غامض إلى «أسرى» للكرسي المتحرك.
نقل البلوجر السوري كاميراته إلى حيث يقطن الأشقاء بين أشجار الزيتون. ليكون هو صوتهم الذي بح من الألم، وينقل للعالم حكاية عائلة تدفع ثمن «زواج الأقارب» باهظا من صحة أبنائها.
ضريبة الدم الواحد وعزلة الروح
بدأ أبو طه السوري جولته الميدانية بالحديث مع طلال، الأخ الأكبر الذي يجلس على كرسيه المتحرك. طلال، الذي بدا وهو يصارع الكلمات ليخرجها، استرجع بحسرة تلك الأيام الخوالي. وفقا ل طلال، فإنه كان طبيعيا تماما ويعمل ويخرج مثل أي شاب في العشرين من عمره. إذ شرح طلال لمحاوره كيف بدأ المرض يتسلل إليه، موضحا أن تشخيص الأطباء أكد أن السبب «وراثي عميق» ناتج عن قرابة الدم بين الوالدين.
لم تكن مأساة طلال وحيدة، فقد انتقل أبو طه السوري بعدسته ليحاور الأخت سارة. وكشفت سارة عن جانب مظلم آخر من المعاناة: وهي العزلة الاجتماعية. ففي حوارها، ذكرت سارة أنها كانت فتاة طبيعية حتى الصف التاسع الإعدادي.
ولكن الصدمة الأكبر كانت عندما أجابت عن سؤال حول خروجها من المنزل. حيث قالت بمرارة: «لم أخرج من باب هذا البيت منذ 4 أو 5 سنوات». وهذا الفيديو وثق كيف أصبح العالم الخارجي بالنسبة لسارة مجرد ذكرى. ضريبة الدم الواحد طالت سنوات شبابها.
طالع: معهد سوري يقدم برامج تأهيلية للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية والتوحد
8 دولارات تحرس الشلل
خلال الحوار الذي أجراه أبو طه السوري، وضع يده على الجرح الحقيقي الذي يمنع هؤلاء الشباب من التحسن. اتفق الجميع بناء على رأي الأطباء أن الحل الوحيد لإيقاف هذا التدهور ومنع «التيبس» الكامل هو العلاج الفيزيائي المستمر. ووفقا لمعطيات الفيديو والحوار، فإن تكلفة الجلسة الواحدة هي 8 دولارات. والحاجة الفعلية هي جلسة يوم بعد يوم، أي 15 جلسة شهريا.
هذا المبلغ الزهيد بمقاييس البعض يقف كحارس يمنع وصول العلاج. وأكد طلال لـ أبو طه أنه عندما خضع للعلاج الفيزيائي سابقا لمدة شهرين، شعر بتحسن ملحوظ وعادت إليه بعض الحركة. لكن «قلة الحيلة» أوقفت العلاج، ليعود الشبح ليحاصر أجسادهم من جديد. إن هذا العجز المالي يمثل الوجه الآخر ل ضريبة الدم الواحد.
جمعة والصرخة عبر السوشيال ميديا
في زاوية أخرى من المنزل، رصدت الكاميرا الأخ الثالث جمعة، الذي يعاني نفس المصير. ورغم حالته الصحية الصعبة، أشار الفيديو إلى أنه تزوج مؤخرا، في رسالة صمود وتحد لواقعه المرير. ولم يكن الفيديو الذي نشره أبو طه السوري مجرد محتوى عابر، بل كان وثيقة إنسانية تضع المشاهدين أمام مسؤولياتهم.
من خلال أسئلته المباشرة وحواره العفوي، نجح أبو طه في تعرية الواقع المؤلم. إنه واقع شبان في عمر الزهور، علاجهم موجود ومعروف، لكن «الفقر» يقف حارسا يمنع وصولهم إليه. وضريبة الدم الواحد التي تدفعها هذه العائلة يجب أن تتحول إلى جلسات علاج تعيد لهم الحق في الحركة. إن أبو طه السوري يواصل عمله التضامني بهذه العدسة.
ضريبة الدم الواحد وأمراض وراثية
ضريبة الدم الواحد تحمل كلفة باهظة تتجاوز هذه الحالات الفردية. فزواج الأقارب يزيد من احتمالية اجتماع الجينات المتنحية المعيبة في النسل. وهذه الجينات المتنحية لا تظهر على الوالدين لكنها تحمل خطر الإصابة بأمراض وراثية مستعصية.
وفقا للدراسات الطبية، فإن أبرز الأمراض المزمنة والإعاقات التي يسببها زواج الأقارب تشمل الثلاسيميا (فقر الدم الوراثي)، وفقر الدم المنجلي، والتليف الكيسي. كما أن الإعاقات النمائية والعقلية مثل متلازمة الكروموسوم X الهش وتأخر النمو العقلي، تزداد احتمالية ظهورها بشكل كبير في هذه الزيجات. وفق موقع الطبي.
العيوب الخلقية وإعاقات الجهاز العصبي تندرج ضمن المخاطر الرئيسية لـ ضريبة الدم الواحد. والشلل الذي أصاب الأشقاء السوريين طلال سارة، وجمعة هو مثال حي على اضطرابات عصبية عضلية نادرة تتفاقم بسبب القرابة.
هذه الأمراض تتطلب رعاية صحية متخصصة ومكلفة مدى الحياة. و مسؤولية مواجهة ضريبة الدم الواحد تبدأ بالتوعية المجتمعية بأهمية الفحص الجيني قبل الإقدام على الزواج، وذلك لتقليل العبء الصحي والاقتصادي على الأسر والدول على حد سواء.
