قبل أربعة أيام أعلنت الحكومة المصرية عن تعديلات على قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، يعيد تعريف الإعاقة وتحديدها بصورة واضحة، بهدف تجنب الثغرات التي كان يلجأ لها البعض للحصول على الامتيازات التي تقدمها الحكومة للأشخاص ذوى الإعاقة، مثل سيارات المعاقين، وفق المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني.
لكن تعديلات الحكومة اصطدمت بردود فعل غاضبة من ذوي الإعاقة أنفسهم الذين اتهموا مشروع القانون بأنه يتضمن عوارا دستوريا، كما أنه يعمل على تقييدهم، ويحتاج إلى حوار مجتمعي، ومراجعة قانونية قبل عرضه على مجلس النواب لإقرارها.

تعترض الدكتورة شريفة مسعود، خبيرة الصحة النفسية وخبيرة الإعاقة البصرية، على تعريف “ذوي الإعاقة” الوارد في تعديل القانون، وتَعتبر أن تغيير المادة 2 الخاصة بالتعريف غير منصف نهائياً.
انتقادات حادة لمصطلح “عاهة مستديمة” باعتباره وصفاً مهيناً
تقول: ليس بعد كل هذا الجهد والأموال التي أُنفِقت في اتفاقية دولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وقانون 10 الذي صدر وقام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق عليه عام 2018، وينص على أن المعاق هو من لديه قصور حسي أو جسدي أو عقلي، نعود اليوم لنقول “كل من لديه عاهة مستديمة”، و”عاهة” كلمة مُشينة.
مخاوف من استبعاد الإعاقات البسيطة والمتوسطة من مظلة القانون المعدل
وتضيف: بالنسبة لسيارات المعاقين، لا توجد سيارة في الوقت الحالي يمكن أن تظل على حالتها 15 عاما، خاصة في ظل الطقس الذي نعيشه حالياً، والأمر الثالث ترك اللائحة التنفيذية مسؤولية تحديد درجات الإعاقة يُعتبر ثغرة في القانون، لا يجب أن يترك لها حرية الاختيار، فمن الممكن أن نجد الإعاقات البسيطة والمتوسطة تخرج من الاستحقاقات القانونية؛ لأن تعديلات القانون تنص على أنه “من لديه عاهة مستديمة تعوقه عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي”. فلنفترض أن شخصاً يعاني من إعاقة بصرية واستطاع أن يتعلم ويمارس حياته بشكل طبيعي، هل سيتم التعامل معه على أنه ليس من ذوي الإعاقة؟ ويُحرم من استحقاقاته؟!

وأردفت: هل سيتم معاقبتنا على أننا تخطينا الحواجز واستطعنا ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بأن نُحرم من حقوقنا طالما أننا قادرون على الاعتماد على أنفسنا؟ وطالما أننا قادرون على ممارسة حياتنا، نخرج من تصنيف ذوي الإعاقة ونُحرم من حقوقنا؟
وتقول: مطلبنا أن يكون هناك مجموعة ممثلة عن الأشخاص ذوي الإعاقة تجتمع بمن قام بصياغة هذا القانون، في وجود الرئيس، وهذا حقنا على رئيس الجمهورية بأن يسمعنا قبل إقرار القانون.
سيارات المعاقين والإعفاءات الجمركية المقيدة بشروط صارمة
ومن جانبه يُوضح الدكتور خالد حنفي، عضو مجلس النواب السابق، وأول نائب برلماني بالتعيين من ذوي الإعاقة، أن المادتين الأخيرتين المتعلقتين بتشديد العقوبات ليس عليهما اعتراض نهائياً، لكن الفقرة الأولى، والتي تضم تعديل المادة 2 من القانون وتعرف الشخص ذا الإعاقة على أنه “أي صاحب عاهة طويلة الأجل”.
وأضاف: المادة 31 (بند 4)، مهمة جداً، ويرى أن الغرض من التعديل هو تغيير هذه المادة التي تنص على إعفاء السيارات ووسائل النقل للأشخاص ذوي الإعاقة، وإعفاء السيارات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة من الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة (VAT) لأغراض شخصية.
والإعفاء يشمل سيارة واحدة أو وسيلة نقل واحدة فقط كل 15 سنة، على أن يكون الشخص ذو الإعاقة هو المستورد للسيارة أو الوسيلة، ولا يجوز التصرف في السيارة (مثل البيع أو التوكيل) قبل مرور 5 سنوات من تاريخ الإفراج الجمركي، وفي حالة وفاة الشخص ذي الإعاقة قبل انقضاء الخمس سنوات، يمكن للورثة التصرف في السيارة بعد سداد نصف الضرائب الجمركية، ومن غير الممكن التصرف في السيارة أو الوسيلة إلا إذا كانت مستعملة لأغراض خاصة بالشخص ذي الإعاقة.
ويشير إلى أن الحكومة وضعت كل هذه التعديلات بغرض التقييد، بوضع ضوابط لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لاعتقادها أن هذا يحد من فكرة قيام الأشخاص ذوي الإعاقة بالاتجار في السيارات المعفاة من الجمارك.
وتابع: ليس لدينا أي مشكلة مع كل ما ذكر في النص، ولكن هناك أكثر من نقطة يجب لفت النظر إليها، وهي أن مدة 15 سنة مدة طويلة مع الحكمة من التشريع، فنحن نحصل على إعفاء الجمارك لأننا لا نملك بيئة مهيأة لتنقل الأشخاص ذوي الإعاقة، كشوارع ومباني، ولا نملك وسائل نقل مجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة، باستثناء أشياء بعض الأماكن في القاهرة فقط.

إذن، نحن أمام مشكلة كبيرة، والسيارة تعتبر تعويضاً للشخص ذي الإعاقة، أياً كانت عاهته، عن عدم وجود مواصلات وشوارع مؤهلة له، بالإضافة إلى أنه مد فترة الحظر لخمس سنوات، وعلى جانب آخر، ترك أمر البيع والتصرف في السيارة للورثة بعد الوفاة سيخلق مشكلة دستورية.
فإذا توفي الشخص اليوم التالي لحصوله على الإعفاء الجمركي، سيصبح على الورثة التصرف في السيارة خلال الخمس سنوات، وبالتالي سيدفعون نصف التكلفة أو نصف الضرائب والجمارك، وإذا توفي بعد الخمس سنوات بيوم، لن يدفع ورثته أي شيء، وهو قيد على حق الملكية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وهو حق دستوري أصيل، وهناك قيد على ممارسة حق الملكية بالنسبة للورثة، وبالتالي أصبح هناك عوار دستوري لفكرة مطالبة الورثة بنصف الجمارك، ولا أتفهم ما الحكمة من الأمر في وضع هذه التقديرات.
وأوضح النائب البرلماني السابق: نحن نوافق على فرض ضرائب على الشخص ذي الإعاقة الذي يبيع السيارة قبل مرور الخمس سنوات. وكان من الممكن أن يتم حل الأزمة بعقوبات ووسائل أخرى، بمعنى أنه في حال إثبات الأمر على الشخص، يتم حرمانه من الاستفادة من السيارة مدى الحياة، أو مضاعفة الجمارك. فلماذا لم تفكر الحكومة في هذه البدائل عند صياغة النص؟ وإذا كنت متواجداً حالياً مع اللجنة التي ستناقش القانون، سأقول هذا الكلام بالنص.

شبهات دستورية تلاحق نصوص التعديلات المتعلقة بالورثة وحق الملكية
ويرى أنه كان على الحكومة أن تستعين بأهل الخبرة في صياغة تشريعات ذوي الإعاقة، والبحث عن بدائل أخرى، فالحكومة لم تركز على التوسع في دائرة الحقوق لذوي الإعاقة، ولكنها ركزت على تقييد هذا الحق، وهذا واضح من صياغة نص القانونبوضعه الحالي الذي يتنافى مع ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا من أن الأشخاص ذوي الإعاقة من الفئات التي تستحق تمييزاً إيجابياً من الناحية التشريعية، بهدف وضع هؤلاء الأشخاص في وضع مساوٍ لغيرهم، وليس لتمييزهم عليهم في شيء. مؤكدا وجود عوار دستوري في المادة 31 تحديداً، فهي مخالفة لنصوص المواد 53 و81 و93 من الدستور ببساطة.
وتابع: في المادة 2 (الفقرة الأولى)، التعديل يتفق ونص المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فقد ورد في الفقرة الاخيرة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مصطلح “كل من يعاني من عاهة.. إلخ”
ويقول: “عندما كنا في مجلس النواب، وضعنا تعريفاً مختلفاً بمشاركة الدكتورة هبة هجرس باعتبارها متخصصة في مجال ذوي الإعاقة، وجدنا أن هناك بعض الأشخاص لن يستطيعوا الاستفادة من الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة إذا استخدمنا مصطلح “عاهة”، مثل من يعانون من بعض أمراض القلب، سوف يتم استبعادهم. وكذلك الإعاقات البسيطة، وأيضاً من يعانون من أمراض الدم مثل الهيموفيليا وغيرها، في حين أن كل هؤلاء موجودون بالفعل في القانون الحالي قبل التعديل، ولكن هذا التعديل سيقلل من نطاق تطبيق القانون على الأشخاص ذوي الإعاقة.”
مواد أخرى أكثر إلحاحاً كان ينبغي تعديلها قبل تعريف الإعاقة وسيارات المعاقين
ومن ناحية أخرى، كان هناك مواد أولى بالتعديل من هذه، مثل المادة 5 من القانون، والتي تقول إن الوزارة المختصة (التضامن) بالتنسيق مع الوزارة المختصة (الصحة) تصدر بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة، وهذه البطاقة مدتها 7 سنوات. وكل البطاقات التي تم إصدارها لا توجد واحدة منها بهذه المدة، وكل البطاقات مدتها إما 5 سنوات أو 3 سنوات، وهناك بعضها يصدر لمدة سنة واحدة فقط. وكان من الممكن أن نقول إن الإعاقات الشديدة مثلاً تجدد البطاقات لهم بشكل تلقائي كل 5 سنوات، وهو ما يجعله لا يحتاج إلى توقيع كشف طبي مرة أخرى.
الفقرة الأخيرة من المادة 17
بالإضافة إلى أن المادة 17 (الفقرة الأخيرة) تتحدث عن لجنة تُشكل برئاسة وزير التعليم العالي، وأن هذه اللجنة تتولى متابعة تنفيذ كل الأحكام الواردة في هذا القانون، وهو ما يجعلها لجنة أعلى من الحكومة نفسها. ويجب إلغاء هذا النص نهائياً أو إعادة تشكيل هذه اللجنة بما يحقق التوازن بينها وبين باقي الجهات التي من حقها أن تتابع تنفيذ القانون، مثل الحكومة أو مجلس النواب، والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، أو حتى منظمات المجتمع المدني.
ويؤكد خالد: الأمر لا يزال مشروع قانون سوف يتم تقديمه مرة أخرى لمجلس النواب، و”ما أثار الموضوع حالياً هو أن الحكومة وجدت أن ظاهرة تصرف الشخص ذي الإعاقة في السيارات المعفاة من الجمارك بدأت تنتشر، فقررت أن تقدم تعديلاً تشريعياً أو وضع ضوابط للحد من تلك الظاهرة.”
مستقبل التعديلات بين مناقشة وشيكة في البرلمان وتأجيل محتمل لدورة جديدة
وأوضح النائب البرلماني السابق أن هناك فرضيتان حول تنفيذ هذا التعديل من جانب مجلس النواب:
الأولى: أن المجلس الحالي سيناقش القانون لأنه من المفترض أن هناك دور انعقاد أكتوبر المقبل.
الثانية: أنه لن يُناقش هذا القانون إلا قبل انعقاد المجلس بتشكيله الجديد، ولا أعتقد أن مناقشة هذا القانون ستكون من أولويات المجلس في البداية، فهناك قوانين أكثر احتياجاً للمناقشة قبل هذا القانون.
وناشد النواب وممثلي الأشخاص ذوي الإعاقة اقتراح التعديلات الملائمة، خصوصاً على المادة 31 التي تُعتبر لب المشكلة، قائلا: يجب أن يكون لديهم القدرة على طرح بدائل وحلول لما هو وارد في النص، مؤكدا على أن الاعتراض على مسألة الـ15 سنة، ودفع الورثة لنصف القيمة الجمركية.
==
ملخص الأزمة في 8 نقاط
الحكومة المصرية تعدل قانون الإعاقة لتحديد الحقوق بدقة
التعديلات تعرّف الإعاقة بأنها “عاهة مستديمة طويلة”
ذوو الإعاقة يعتبرون المصطلح مهيناً ويطالبون بتغييره
خبراء: التعريف الجديد يستبعد إعاقات بسيطة ومتوسطة
أزمة كبرى حول سيارات المعاقين والإعفاءات الجمركية
التعديل يفرض سيارة واحدة كل خمسة عشر عاماً
ورثة المتوفى مجبرون على دفع نصف الجمارك
مطالب متصاعدة بحوار مجتمعي قبل إقرار القانون