عايدة الملا فنانة قطرية صماء ترسم لتُسمع العالم حكايتها

لم تتذكر يومًا أنها سمعت لغة العالم من حولها، منذ طفولتها المبكرة، عاشت في صمتٍ لم تخترته، لكنها قررت أن تحوله إلى فضاءٍ واسع من الألوان، بفرشاتها ابتكرت صوتًا صادقًا يصل إلى القلوب قبل الآذان.

عايدة الملا فنانة تشكيلية وموظفة بوزارة المالية القطرية، تحكي لـ ” جسور ” تقاصيل رحلتها مع الإعاقة التى حولتها لطاقة نور وإبداع وإلهام لكل من يراها، تقول” أسرتي كانت خير سند لي، والدي رفض أن أبقى حبيسة البيت أو يُحكم على مستقبلي بالضياع، أصرّ أن ألتحق بالمدرسة، وأن أخوض تجربة الاختلاط بعالم لم أسمعه أبدًا، لكنني استطعت أن أشعر به بعمق، هناك، أحبّتني المعلمات كثيرًا، خاصة المصريات منهن اللواتي احتضنّني بحب، فلم أشعر أنني غريبة في عالمي الجديد.

وتستكمل عايدة حديثها :” ومع ذلك، لم تتوقف أسرتي عن البحث عن أملٍ لإعادة السمع إليّ، جربت فكرة السماعة الطبية، لكنها لم تناسبني فرفضتها، ثم جاء عرض آخر لزرع قوقعة وأنا طفلة صغيرة، لكنني كنت صاحبة شخصية قوية ووعي مبكر بما يناسبني، فرفضت العملية بثقة، وقررت أن أعيش عالمي كما هو، ولكن بحب لا يتأثر بفقدان السمع ، اتقنت لغة الإشارة وانهيت فترة تعليمي ثم عملت كموظفة في وزارة المالية القطرية.

وتستطرد الفنانة القطرية:” في رحلتي نحو الذات، اكتشفت أن لدي موهبة دفينة ، وأدركت إنني استطيع أن أعبر بألواني عن ما لا يمكنني قوله، ومن هنا صارت فرشاتي هي لساني الطليق، وألواني هي صوتي المسموع على لوحاتي، بدأت أترجم مشاعري وأحلامي ووجداني، أرسم عوالم من النور والخيال.

ومع مرور الوقت، تجاوزت لوحاتي إعجاب العائلة والأصدقاء، ووصلت إلى المعارض الفنية، وفزت بجوائز محلية ثم دولية. وأصبحت أعمالي حديث الجمهور والنقاد على حد سواء.

ومنذ بداية رحلتي، كنت دائمًا أبحث عن الفرص التي تمنحني المعرفة وتمكنني من مشاركة خبرتي مع مجتمع الصم، في عام 2013، شاركت في مهرجانات وفعاليات مهمة بعمان، منها المهرجان الثقافي المسرحي ومهرجان الفن التشكيلي الثاني للصم، لكن المحطة التي لا تغيب عن ذاكرتي كانت في قطر، حين شاركت في مؤتمر منظمة التأهيل الدولي بتاريخ 3 ديسمبر 2016، حيث شعرت أن أبوابًا جديدة تُفتح أمامي، وأصواتنا كصم تجد صداها على مستوى العالم.

وتضيف الملا، ثم جاءت مشاركتي في المهرجان الدولي القطري للثقافة والفنون، التي أكدت لي أن الفن لغة عالمية تصل إلى القلوب بلا حاجة إلى الكلمات، وحضرت مؤتمر الجمعية السعودية لمترجمي لغة الإشارة في أكتوبر 2023، وفاعلية حديقة الإبداع بالدوحة في نوفمبر من العام نفسه، وأخيرًا مؤتمر مجمع التربية السمعية للبنات في قطر خلال أبريل 2024، كل مشاركة من هذه المشاركات أضافت إلى رصيدي تجربة جديدة وإحساسًا متجددًا بالفخر، بأننا كصم لسنا مجرد جزء من المجتمع، بل نحن قادرون على إحداث فرق حقيقي فيه”.

وتحكى الملا بفخر وسعادة :”سافرتُ ضمن عشرة فنانين من قطر للمشاركة في معرض تشكيلي دولي في الكويت، أُقيم في متحف الفنون الجميلة تحت رعاية مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي، وبالتعاون مع مؤسسة أرض الفن الدنماركية، خلال الفترة من 23 إلى 29 يونيو 2024. كانت تجربة استثنائية بالنسبة لي، ليس فقط لأنني عرضت أعمالي، بل لأنها منحتني فرصة للتواصل مع فنانين من دول مختلفة، وتبادل الرؤى حول دور الفن في التعبير عن قضايا الصم وإبراز إبداعاتنا على الساحة الدولية”.

وتؤكد :” أنا أحب الخير ومساعدة الآخرين، لذلك قررت أن أكون الداعمة الأولى لفتيات الصم في قطر، أشجعهن على ألا يستسلمن، وأغرس فيهن الثقة بأن قدرتهن على النجاح لا تقل عن أي أحد، حتى اللواتي يشعرن بالإحباط، أحاول دائمًا أن أرسم لهن بفرشاتي طريقًا جديدًا، كما اعتدت أن أرسم للحياة ألوانًا أكثر إشراقًا.