عضو «منظمة الاحتواء»: مؤتمر الشارقة حدثٌ فارق وأبنائي سرُّ انجذابي لعالم الإعاقة الذهنية

عضو «منظمة الاحتواء»: مؤتمر الشارقة حدثٌ فارق وأبنائي سرُّ انجذابي لعالم الإعاقة الذهنية

المحرر: سحر شيبة - لبنان

بعد انتهاء فعاليات «المؤتمر العالمي نحن الاحتواء 2025» الذي استضافته إمارة الشارقة، بدولة الإمارات، لأول مرة في المنطقة العربية، باعتباره الحدث الأبرز عالميا في مجال الإعاقة الذهنية، قررت “جسور” اجراء حوار  إنساني، مع رجل ملهم، عايش كل تفاصيل المؤتمر، ورافق مسيرته منذ البدايات.

هو الدكتور موسى شرف الدين، طبيب التخدير اللبناني الشهير، والأستاذ الجامعي، والناشط الحقوقي، الذي شكّلت تجربته الشخصية مع الإعاقة الذهنية لابنيه فراس ومحمد نقطة تحول فارقة في حياته العائلية والمهنية.

فكانت البداية بتأسيسه جمعية أصدقاء المعاقين اللبنانية، وكان أحد مؤسسي الاتحاد العربي لجمعيات المعاقين، ويشغل اليوم عدة مناصب بارزة، منها رئاسة الاتحاد الوطني للإعاقة العقلية، ورئاسة جمعية أصدقاء المعاقين، إضافة إلى عضويته الفخرية مدى الحياة في منظمة الاحتواء الشامل العالمية.

خلال الكونغرس العالمي بالشارقه لقاء مع سو سواسن وهبه هجرس ود. نجيب خزام

 

في هذا الحوار يكشف شرف الدين أسرار مسيرته الإنسانية والمهنية، التي وهب خلالها جهده وعلمه من أجل الدفاع حقوق ذوي الإعاقة في الوطن العربي والعالم بشكل عام.

  • في البداية حدثنا عن موسى شرف الدين، وعن تجاربه ومشاريعه في مجال ذوي الإعاقة؟

تخرجت في كلية الطب بالجامعة الأمريكية في بيروت، ثم عملت بالتدريس في نفس الكلية، ومارست تخصصي كأستاذ للتخدير، وهو ما جعلني من بين أشهر أساتذة هذا المجال في الوطن العربي، إلى جانب عملي الأكاديمي والطبي، أسست جمعية أصدقاء المعاقين اللبنانية عام 1978، وهي من كبرى الجمعيات الإنسانية في لبنان لخدمات المعاقين، كما كنت أحد مؤسسي الاتحاد العربي لجمعيات المعاقين، وأشغل اليوم رئيس الاتحاد الوطني للإعاقة العقلية، ورئيس جمعية أصدقاء المعاقين، وعضو فخري مدى الحياة في منظمة الاحتواء الشامل.

  • كيف تحولت من طبيب تخدير إلى مهتم بقضية الإعاقة الذهنية، وكيف انعكس ذلك على مسيرتك لاحقًا؟

قصتي بدأت بعد أن رزقني الله بأول طفل لي، فراس، حيث تبين أنه مصاب بإعاقة ذهنية، حاولت أن أجد له علاجًا، فزرت كبار الأطباء في معظم دول أوروبا، لكن دون جدوى، بعد فترة قصيرة حملت زوجتي للمرة الثانية، وأجريت التحاليل فاكتشفت وجود “عدم توافق وراثي” بيني وبينها، ما يعني أن أطفالنا أكثر عرضة للإعاقة الذهنية، كنت في حيرة بين إجهاض الجنين أو استمرار الحمل، نصحني طبيب بريطاني بالاستمرار، ورزقنا الله بمحمد، وكان أيضًا معاقًا ذهنيًا، تقبلت أنا وزوجتي عطاء الله بصدر رحب، وبدأت أقرأ وأتعلم عن الإعاقة الذهنية وأساليب التربية، ووجدت نفسي أنجذب إلى هذا العالم بكل خصوصيته، من هنا جاءت فكرة تأسيس جمعية أصدقاء المعاقين عام 1978.

  • كيف أسهمت تجاربك الطويلة في الجمعيات والمنظمات المختلفة في تشكيل مسيرتك ورؤيتك لقضايا الإعاقة؟

الظروف التي أحاطت بحياتي صنعت تحولات كبيرة في اهتماماتي وعلاقاتي، فقد انتقلت من اختصاصي الطبي في التخدير والإنعاش إلى مجال جديد هو الإعاقات النمائية، عملت طوال هذه السنين على مواجهة القصور الكبير في التعاطي مع ذوي الإعاقة، والذي غالباً ما ينطلق من الشفقة والنظرة النمطية، وهي نظرة تحمل وصمةً تشكل عبئاً على الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، ورغم التطورات الكبيرة في القوانين والتشريعات والمعاهدات، لا تزال الصورة الطبية التقليدية سائدة، ولا تزال العديد من المؤسسات تعمل في إطار العمل الخيري، بينما حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تكون واجباً إنسانياً وقانونياً، وليست رهناً بخيار من يقدم المساعدة.

هاشم تقي ود.نجيب خزام خلال اجتماع إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • لديك العديد من المؤلفات والدراسات عن موضوع الإعاقة، حدثنا عنها ؟

أول كتبي باللغة العربية كان بعنوان “الكفاءات الإنسانية إنماء وتطوير”، وهو مؤلف من 460 صفحة وكان موضوع رسالة الماجستير في جامعة جونز هوبكنز عام 1983، ثم أعددت دراسة متكاملة حول المؤسسة المركزية لتأهيل وتعليم المعاقين ضمن انطلاقة مؤسسة رفيق الحريري عام 1986، كذلك ألفت كتاباً حول متلازمة التثلث الصبغي 21 عام 1997 بتكليف من الهيئة الوطنية لشؤون المعاقين في لبنان، وشاركت في تأليف كتاب بالإنجليزية مع كريستين ميللر حول مبادئ التربية المختصة، وأعددت كتيبات متخصصة حول الشلل الدماغي، وحقوق الإنسان والإعاقة العقلية، والدمج التربوي، إضافة إلى دراسة موسعة حول الفقر والإعاقة في المنطقة العربية، هذه المؤلفات لم تكن مجرد أعمال أكاديمية، بل انعكاساً للتجارب التي عشتها مع الأسر والأطفال.

  • شهدنا تعاوناً كبيراً بينك وبين مدينة الشارقة منذ سنوات، ما أهم ملامح هذا التعاون ونتائجه المباشرة؟

بدأ التعاون منذ عام 1991 حين أسسنا معاً الاتحاد العربي لمؤسسات الإعاقة العقلية، الذي تطور لاحقاً إلى منظمة الاحتواء الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية احتضنت العديد من الدورات التدريبية لإعداد اختصاصيين في التربية والتأهيل، وشاركتُ في مؤتمراتها وندواتها، كما أن للمدينة مواقف إنسانية بارزة، مثل تقديم المساعدات للجمعيات اللبنانية المتضررة من اعتداءات عام 2006، ودعمها بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، ولا أنسى دعم سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي لجمعية أصدقاء المعاقين، سواء عبر المبادرات المادية أو المعنوية.

  • كيف تقيّم الدور الذي تقوم به الشارقة للخدمات الإنسانية وأثره على واقع ذوي الإعاقة في الإمارات والوطن العربي؟

أعتبر مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية المؤسسة الرائدة والأولى في المنطقة العربية، وهي بحق منارة تهتدي بها باقي المؤسسات، لقد أسهمت بشكل ملموس في تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، وفتحت آفاقاً واسعة في مجالات التعليم، والتأهيل، والمناصرة الذاتية. المدينة لعبت دوراً محورياً في تعزيز القدرات وتنظيم المؤتمرات التي وضعت الإعاقة في قلب قضايا التنمية.

  • حدثنا عن منظمة الاحتواء الشامل، وكيف تأسست، وما هي المراحل التي مرت بها؟

منظمة الاحتواء الشامل تعود جذورها إلى ستينيات القرن الماضي، حيث تأسست على أيدي أسر وإخصائيين وأكاديميين في مجال الإعاقة العقلية، وكان اسمها آنذاك “الرابطة الدولية لجمعيات التخلف العقلي” في تلك الفترة كان الاهتمام ينصبّ على تطوير البرامج الرعائية والإيوائية بهدف تحسين وتطوير نوعية الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة العقلية.

ومع تطور المفاهيم التي تقدس كرامة البشر، بدأت تتبلور رؤى جديدة تواكب المهام والأهداف التي تتحرك من خلالها نشاطات المنظمة، خاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث شهد العالم نشوء منظمات واتحادات عالمية متخصصة بأنواع مختلفة من الإعاقات، مثل الاتحاد العالمي للإعاقة الحركية، والاتحاد المتعلق بالإعاقة السمعية، وآخر بالإعاقة البصرية.

ومع تطور المنظور الحقوقي خصوصًا بعد العام1981 وإعلان العقد العالمي للأشخاص المعوقين، ثم تبنّي الأمم المتحدة للقواعد النموذجية الموحدة لتأهيل وتشغيل الأشخاص المعوقين، تغيّرت ديناميات العمل في المنظمة، وتحولت “الرابطة الدولية لجمعيات التخلف العقلي” إلى “منظمة الاحتواء الشامل”، لتضم في عضويتها أفراد الأسر والأهالي والأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية أنفسهم، كمناصرين ذاتيين، بهدف تحقيق الاندماج الشامل.

شرف الدين يلقي كلمة في مؤتمر الاحتواء
  • كيف تطور منظور المنظمة الحقوقي بعد تبنّي الاتفاقيات الدولية؟

التطور الحقوقي تعمّق بشكل ملحوظ، خاصة بعد اعتماد الأمم المتحدة للاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بتاريخ 13 ديسمبر 2006، شكّل هذا محطة مفصلية عززت عمل المنظمة ومهامها في الدفاع عن الحقوق، وضمان المشاركة الكاملة والمساواة وتكافؤ الفرص، ومنذ ذلك الحين، تعمل منظمة الاحتواء الشامل جنبًا إلى جنب مع سائر المنظمات الحقوقية الدولية على تطبيق بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتفعيل مبادئها في مختلف الأقاليم حول العالم.

  • ما حجم منظمة الاحتواء الشامل اليوم، وما الذي يميزها من حيث العضوية والامتداد الجغرافي؟

المنظمة اليوم تضم أكثر من 150 جمعية ومؤسسة، تمثل ما يزيد على 150 دولة، موزعة على خمسة أقاليم جغرافية هي: الأميركيتين، أوروبا، الشرق الأقصى والباسيفيكي، أفريقيا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يميزها أن عضويتها ليست محصورة بالمؤسسات فقط، بل تشمل الأهالي والأسر والأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية أنفسهم كمناصرين ذاتيين، وهذا ما يجعلها منصة شاملة وحقيقية للدفاع عن الحقوق وتعزيز الإدماج.

  • ماذا عن المؤتمر الأخير الذي استضافته الشارقة؟

أقيم الكونغرس العالمي الحادي عشر لمنظمة الاحتواء الشامل في الشارقة ما بين 17 و25 سبتمبر من العام الجاري، بمشاركة أكثر من 1500 مشارك من مختلف دول العالم، وشهد حضور أكثر من 800 باحث وعالم، ناقشوا مختلف التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، خاصة في مجالات الدمج التربوي، والتشغيلي، والصحي، والسكني، والترفيهي، والرياضي.

كما جرت خلال المؤتمر ورش عمل خصصت لمناقشة أوضاع ونوعية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، في ظل الأزمات والاضطرابات والكوارث الطبيعية والصراعات المسلحة والحروب، هذا التنوع والعمق في النقاشات يؤكد أن المؤتمر لم يكن مجرد حدث أكاديمي، بل محطة عالمية لرسم ملامح مستقبل الإدماج الشامل.

  • كيف تقيم انعقاد “المؤتمر العالمي نحن الاحتواء 2025” في الشارقة لأول مرة في المنطقة العربية؟

انعقاد المؤتمر في الشارقة كان حدثًا فارقًا على مستوى العالم العربي، لأنه لم يكن مجرد لقاء، بل محطة لإعادة النظر في التشريعات والسياسات، ومراجعة مدى مواءمتها للتحولات الاجتماعية والتكنولوجية، الحضور الدولي الكبير من خبراء ومشرعين ومنظمات مدنية وهيئات أممية أضفى على الحدث زخمًا خاصًا، ورسخ مكانة الشارقة كعاصمة للدمج الاجتماعي، وكمركز دولي لصياغة رؤية حقوقية وإنسانية متقدمة.

  • ما أبرز القضايا التي تمت مناقشتها خلال المؤتمر؟

المؤتمر ناقش الأطر القانونية والتشريعية الدولية الخاصة بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والقانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 في الإمارات، كما تناول محاور حيوية مثل الدمج من خلال التعليم، دعم الأسر، تيسير الوصول إلى سوق العمل، التمكين القانوني، الرعاية الصحية، التخطيط المجتمعي، والمناصرة الذاتية.

هذا التنوع في القضايا يعكس شمولية المؤتمر، ويؤكد أنه لم يقتصر على البعد القانوني فقط، بل انفتح على كل عناصر حياة الأشخاص ذوي الإعاقة لضمان مشاركتهم الفاعلة.

د. شرف الدين مسيرة حافلة فى دعم قضايا الإعاقة الذهنية
  • إلى أي مدى نجح المؤتمر في تحقيق أهدافه؟

أستطيع القول إن المؤتمر حقق نجاحًا كبيرًا، لأنه وفّر منصة حقيقية للحوار الدولي، وأتاح فرصة لتبادل التجارب والخبرات بين الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني، خرجنا بتوصيات عملية تساعد في تطوير البنية القانونية والتشريعية، وتجديد المفاهيم بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

الأهم أن المؤتمر لم يقف عند حدود التوصيات، بل فتح الباب أمام تبني مقاربات جديدة تجعل الإدماج قيمة مركزية في السياسات التنموية، وتؤكد أن الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية شركاء كاملون في صياغة القرارات وصناعة المستقبل.

  • بعد تلك المسيرة الطويلة، ما الرسالة التي تود توجيهها إلى المجتمع للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة؟

رسالتي تنطلق من قناعة عميقة بأن الأشخاص ذوي الإعاقة هم جزء من التنوع البشري الطبيعي، ولديهم قدرات حقيقية يجب الإيمان بها، التعامل معهم لا يجب أن يقوم على الشفقة أو التسميات التجميلية، فهم ليسوا “ذوي احتياجات خاصة” بل أصحاب حقوق أساسية مثل التعليم، الصحة، العمل، والعيش الكريم.

التحديات التي يواجهونها ليست من صنعهم، بل من صنع المجتمع، لذلك أدعو إلى تضافر الجهود الوطنية والدولية لصياغة استراتيجيات للحماية الاجتماعية، وتطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمضي قدماً نحو أهداف التنمية المستدامة 2030.

المقالة السابقة
«سيارات الأجرة»  تستجيب لمطالب ذوي الإعاقة في ديربان بجنوب أفريقيا
المقالة التالية
قروض بدون ضمان .. 3 ملايين دولار لـ6 من ذوي الإعاقة في «غيانا»

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (463) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (142) الاستدامة (1102) التحالف الدولي للإعاقة (1075) التشريعات الوطنية (847) التعاون العربي (517) التعليم (83) التعليم الدامج (65) التمكين الاقتصادي (90) التنمية الاجتماعية (1097) التنمية المستدامة. (84) التوظيف (64) التوظيف الدامج (830) الدامج (56) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (163) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (73) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (511) الكويت (86) المجتمع المدني (1080) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1072) تمكين (88) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (77) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (158) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1040) ذوي الإعاقة (531) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (396) سياسات الدمج (1060) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (652) كود البناء (452) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1067) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (88) منظمة الصحة العالمية (663)