في التاسعة من عمرها كانت الفتاة النيجيرية فاطمة أديرهنمو، تشاهد الأطفال في مثل عمرها وهم يركضون في فناء المدرسة، كانت قدماها لا تقويان على الحركة، لم تكن تفهم حينها أن المرض الذي تسلّل إلى جسدها، سيغيّر كل شيء في حياتها.
بعد أسابيع من الفحوصات، جاءت الكلمة التي سترافقها إلى الأبد: أنتِ مريضة بضمور العضلات، لكن ما لم تعرفه فاطمة حينها، أن هذا التشخيص القاسي، سيكون بداية رحلة استثنائية نحو النور، لا النهاية التي تخشاها.
من الألم إلى الأمل
تحكي مجلة Guardian-Woman أن فاطمة، التي تبلغ من العمر 25 عامًا، أصبحت واحدة من أبرز الأصوات المدافعة عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نيجيريا،هي كاتبة وناشطة وصحفية صاعدة، اختارت أن تحوّل ألمها إلى منبر أمل، وأن تستخدم قصتها لتوصيل أصوات الذين لا يُسمع لهم.
من التجربة إلى الرسالة
تقول فاطمة في حديثها عن البدايات: «لم أبدأ بدافع أن أكون ناشطة. كنت فقط أحاول أن أعيش حياتي رغم الإعاقة، لكن مع الوقت، أدركت أن تجربتي ليست فردية، بل تشبه ما يعيشه آلاف الأشخاص ذوي الإعاقة في نيجيريا، ومن هنا بدأت أتكلم، إذا لم نتكلم نحن، فلن يسمعنا أحد».
كتاب ما وراء محنتي
من هذا الوعي، وُلد كتابها الأول «ما وراء محنتي – Beyond My Trials»، الذي تحوّل سريعًا إلى ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح مصدر إلهام للآلاف داخل نيجيريا وخارجها، في هذا الكتاب، تحكي فاطمة عن الألم والأمل، عن الخسارة والنهوض مرة أخرى، وعن المعنى الحقيقي للقوة.
تقول: «أردت أن يرى القارئ أن القوة ليست في إنكار الصعاب، بل في مواجهتها. وأننا، نحن ذوي الإعاقة، لسنا قصص شفقة، بل قصص كفاح وكرامة».
كسر الحواجز الشخصية
لكن طريق الكتاب لم يكن سهلاً، كتبت فاطمة الصفحات الأولى وهي مترددة، تخشى أن تكون هشاشتها مادة للتعاطف الزائف، ومع ذلك، استمرت في مشوارها، تقول بابتسامة: «كانت أصعب لحظة، حين قررت أن أكون صادقة تمامًا، أن أروي كل شيء، لكنني قلت لنفسي: لو جعل هذا الصدق شخصًا واحدًا يشعر أنه ليس وحده، فالأمر يستحق».
مبادرة «حريتي»
بعد نجاح الكتاب، أنشأت فاطمة مبادرتها «حريتي – My Freeability»، وهي مشروع رقمي يسعى إلى مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة في العثور على الأماكن والمرافق المهيأة لهم.
تقول فاطمة: «الفكرة جاءت من الإحباط، تخيل أن تحتاج لمن يحملك كي تدخل مبنى، وأنت على كرسيك الكهربائي الذي صُمم ليمنحك استقلالك! أردت أن أغيّر هذا الواقع».
تهدف المبادرة إلى بناء قاعدة بيانات للأماكن المجهزة، حتى يتمكن ذوو الإعاقة من التنقل بحرية وأمان، وتحلم فاطمة بأن تصبح حرية الوصول معيارًا لا استثناءً في المدن النيجيرية.
الإعلام كأداة للتغيير
وفي الوقت نفسه، تتابع فاطمة دراستها في جامعة نيجيريا المفتوحة في تخصص الإعلام، مؤمنة بأن وسائل الإعلام هي المفتاح لتغيير الصورة النمطية عن الإعاقة.
تقزل: «القصص التي تُروى عنا في الإعلام، عادة ما تكون إما مؤلمة أو ملهمة بشكل مفرط، أنا أريد أن نحكي الحقيقة، بكرامة وبإنسانية، بلا مبالغة».
الرسائل الملهمة
عندما تتحدث فاطمة عن جمهورها، يلمع في صوتها حنان الأم واعتزاز المعلّمة، تحكي عن فتاة صغيرة تُدعى مريم، أرسلت لها رسالة بعد أن قرأت كتابها، قائلة: «أريد أن أصبح مثلك يا فاطمة.» تقول بابتسامة دامعة: «مريم كانت في الثانية عشرة، عندما قرأت كلماتها، بكيت لأنني أدركت أن قصتي لم تعد لي وحدي، أصبحت مرآة لكثيرين».
ورغم الصعوبات اليومية، من الطرق غير المهيأة، إلى النظرات المشفقة، لا تفقد فاطمة حماسها.، تقول:«هناك أيام، أشعر فيها بالإحباط، لكنني أتذكر الأطفال الذين ينتظرون أن يصبح العالم مكانًا أسهل لهم. هم مصدر قوتي.»
أما عن التغيير الذي تحلم به، فتقول: «أريد أن يتوقف الناس عن النظر إلينا كعاجزين، نريد فقط فرصًا متكافئة، أن تكون المدارس مهيأة، والمكاتب مفتوحة، والمجتمع متفهمًا، أريد أن يرى الناس فيّ امرأة، لا إعاقة».
الإرث الذي تسعى لتركه
وفي نهاية حديثها، تعود إلى فكرة الإرث: تؤكد«عندما أرحل، أريد أن يُقال إنني استخدمت قصتي لفتح الأبواب أمام غيري، أريد أن أُذكر كمن لم تستسلم، بل حوّلت ضعفها إلى جسرٍ للآخرين».
صوت يتجاوز الإعاقة
فاطمة أدهرهنمو ليست مجرد فتاة على كرسي متحرك، إنها صوتٌ يعلو فوق القيود، ودرسٌ في الشجاعة، ونموذجٌ لإنسانيةٍ ترى في الاختلاف مصدر قوة، لا عجزًا، في بلدٍ ما زال يخطو خطواته الأولى نحو الشمول، تذكّرنا فاطمة أن الإرادة، حين تُصنع من الألم، تُصبح قادرة على تحريك العالم.