في عالم يُقاس فيه النجاح غالباً بسلامة الجسد. تظهر قصة البطلة المصرية فايزة محمود لتُعطّل هذه المعادلة. وتُعيد كتابة معنى الإمكانية. فالقصة لا تقتصر على بطولات رياضية مذهلة. ولا تتوقف عند إنجاز تاريخي كأول نائبة برلمان في العالم تشارك في الألعاب الأولمبية. بل تذهب إلى أبعد من ذلك. لأنها قبل كل شيء قصة مواجهة شجاعة مع «الاختلاف» منذ الطفولة. ثم قصة تحويل هذا الاختلاف من حاجز إلى محرك للإرادة الصلبة.
من هنا بدأت الحكاية. من فتاة أُصيبت بشلل الأطفال. وأدركت مبكرا بأن الحياة تفرض إيقاعاً مختلفاً. لتمضي عبر مسار طويل يقودها إلى البطولات العالمية. وإلى قاعة مجلس النواب. فجمعت بين صرامة القاعة البرلمانية وحماس ملعب الأولمبياد. كما لم تكتف بتغيير مسارها الرياضي. بل غامرت بتغيير فئتها التنافسية من الوقوف إلى الجلوس. وهكذا بدأت من الصفر. ثم حققت الذهب

تروي فايزة محمود رحلتها لـ«جسور» قائلة. «بدأت حكايتي مع الإعاقة قبل سنوات الإدراك بكثير. كان عمري لا يتجاوز ستة أشهر. ولم أفهم معناها. ولم أدرك ثقلها. لذلك لم أشعر بأن هناك ما يميزني عن غيري. لكن أول إحساس حقيقي بالاختلاف جاء عندما أحببت اللعب مع أصدقائي ومحاولة الجري مثلهم. في تلك اللحظة فقط أدركت أن ما أريده ليس متاحاً. وأن جسدي يفرض إيقاعاً مختلفاً للحياة. بعدها أصبحت حركتي للخارج قليلة. وبقي البيت هو المساحة الوحيدة التي لا أشعر فيها بثقل الإعاقة».
المدرسة ومعركة الوعي الأولى
«ثم جاءت المدرسة». تقول فايزة قبل أت تصمت قليلا لتستكمل: «هنا بدأت معركة الوعي الأولى. عندما ذهبت إلى المدرسة لم يكن الأمر ممهداً. كان الجيران يستنكرون على أمي حملها لي يومياً. كانوا يقولون لها “حفظيها القرآن أفضل”. لكنها كانت ترد دائماً «سأحملها إلى آخر العمر. مهما كلفني الأمر من عناء»
«بعد ذلك دخلت المدرسة وأنا مصممة على إثبات ذاتي. لذلك تفوقت دراسياً. ثم حصلت على الثانوية العامة. ثم التحقت بالجامعة. وهناك. ومن خلال أصدقائي. تعرفت على الرياضة لأول مرة. وهنا تحديداً بدأت البداية الحقيقية لتحول كبير في حياتي».
من المنتخب إلى البرلمان
تضيف فايزة محمود: «من الرياضة إلى الإنجاز. بدأت مشواري الرياضي في ألعاب القوى. ونجحت فيها. وحققت لقب بطلة الجمهورية. ثم جاءت إصابة قوية. فأجبرتني على تغيير مساري. لذلك اتجهت إلى تنس الطاولة عام 2000. وبعد ثلاث سنوات فقط. انضممت إلى المنتخب الوطني عام 2003. ومن هنا بدأت رحلة البطولات الدولية والعالمية».
«ثم توالت النجاحات. حققت العديد من البطولات. وشاركت في أربع دورات أولمبية. إلى جانب بطولات كأس العالم. وبعد ذلك. وفي عام 2015. خضت تجربة جديدة. حين ترشحت لانتخابات مجلس النواب. كان الجمع بين الاحتراف في الرياضة والعمل السياسي بالغ الصعوبة. لكنه لم يمنعني من الاستمرار. ثم في عام 2016 شاركت في أولمبياد ريو دي جانيرو. فأصبحت أول نائبة في التاريخ تشارك في دورة أولمبية. وكانت تلك محطة فارقة في مسيرتي. مسيرة **فايزة محمود».
القرار الأصعب في مسيرة فايزة محمود
تواصل فايزة حديثها لـ جسور: «ثم جاء القرار الأصعب. بعد أولمبياد 2016 تعرضت لإصابة جديدة. واضطررت إلى اتخاذ قرار من أصعب القرارات في حياتي. التحول من اللعب وقوفاً إلى اللعب جلوساً. كان القرار قاسياً للغاية. لأن ترتيبي الدولي أصبح صفراً بعد أن كنت المصنفة الثانية على العالم. ومع ذلك قررت ألا أتراجع. لعبت. وفزت. وتأهلت في العام نفسه إلى كأس العالم».
«وبعد ذلك واصلت التحدي. حصلت على لقب بطولة إفريقيا. ثم تأهلت إلى دورة الألعاب البارالمبية طوكيو 2020. وبعدها شاركت في كأس العالم 2022. ونجحت في حصد الميدالية البرونزية. ومؤخراً شاركت في بطولة إفريقيا المؤهلة لكأس العالم في نوفمبر 2025. وحصلت على الميدالية الذهبية. ثم تأهلت إلى كأس العالم تايلاند 2026».
«وإلى جانب مشواري الرياضي. أعمل حكماً دولياً في تنس الطاولة. وهذه هي رحلتي التي أفخر بكل لحظاتها. وبعسراتها قبل الانتصارات. فلولا العسارات ما وُلد لدي التحدي. وما اشتعلت إرادتي الحرة. لتوصلني لما أنا عليه الآن. هكذا تكتمل حكاية فايزة محمود».


.png)


















































