«فتاة من حلب».. كتاب هز أروقة الأمم المتحدة بسردية وظفت الشلل الدماغي لتفكيك خطاب الحرب

 «فتاة من حلب».. كتاب هز أروقة الأمم المتحدة بسردية وظفت الشلل الدماغي لتفكيك خطاب الحرب

المحرر: محمود الغول - مصر
غلاف كتاب فتاة من حلب

تحليل لكتاب «فتاة من حلب» لنوجين مصطفى، وكيف تحولت رحلتها الشاقة في كرسي متحرك من حلب إلى ألمانيا إلى بيان أدبي ناقد لتمجيد قادة الحرب، ووثيقة أساسية لحماية المدنيين.

هناك العديد من الكتب  الملهمةعن ذوي الإعاقة الكتب، بعضها كتبه مؤلفين من ذوي الإعاقة، وتعد قصة نوجين مصطفى، مؤلفة كتاب «فتاة من حلب» (A Girl from Aleppo)، بمثابة شهادة محورية في أدب النزاعات الحديثة، حيث تتجاوز حدود السرد الشخصي لتصبح وثيقة نقدية للخطاب السياسي الدولي.

نوجين هي كاتبة سورية من أصل كردي، تحدت ظروف النزاع والقيود الجسدية التي فرضها عليها الشلل الدماغي لتقطع رحلة لجوء شاقة امتدت لأكثر من 5600 كيلومتر، برزت قصتها كإطار وجودي أساسي لفهم أزمة اللاجئين من منظور لا يقتصر على الصراع الجيوسياسي، بل يركز على الهوية المتعددة الأوجه؛ مما جعلها تحمل مسؤولية ثقيلة للتحدث عن وضع ذوي الإعاقة في ظل الصراع السوري.

هذه الرواية تكتسب أهميتها في كونها تمثل تحولا إعلاميا كبيرا، من خلال إعادة توجيه العدسة التحليلية من القوة التي تسبب النزاع إلى الضعف الذي يتحول إلى سلطة نقدية.

 السفر في كرسي متحرك عبر ثماني دول
كانت المادة الخام لكتاب «فتاة من حلب» هي رحلة نوجين المذهلة التي بدأت في عام 2015، فلوجستيات السفر في كرسي متحرك عبر ثماني دول، شملت عبورا خطيرا بالقارب إلى اليونان كانت تحديا هائلا، مما جعل هذه الرحلة تجسيدا مصغرا للاحتياجات الملحة للاجئين ذوي الإعاقة، ويبرز السرد الدور الحاسم لشقيقة نوجين، التي كانت تدفعها وتحملها طوال الطريق، وهو ما أشارت إليه نوجين بامتنان، مشيدة ب «عضلات أختها الكبيرة».

اكتسبت نوجين القدرة على سرد تفاصيل طفولتها ورحلتها المروعة بشكل مباشر وبلغة الخطاب الدولي بفضل تعليمها الذاتي المكثف للغة الإنجليزية من خلال مشاهدة التلفزيون الأمريكي، حيث كانت محصورة في شقة عائلتها بحلب بسبب الشلل الدماغي وتصاعد النزاع، وهذه العزلة المفروضة هي ما صقل أداتها السردية الأكثر قيمة في مسيرتها اللاحقة كداعمة لحقوق الإنسان.

طالع: سبب عزلة كوفيد19.. كتاب جديد يكشف كيف تضر التكنولوجيا بالجسد

 رفض تمجيد القادة العسكريين
تم نشر مذكرات نوجين «فتاة من حلب»، بعد عام من وصولها إلى ألمانيا، وشاركت في تأليفها الصحفية والكاتبة البريطانية كريستينا لامب، هذا التعاون الأدبي شكل استراتيجية فعالة لتوفير جسر مباشر للقصة نحو الأسواق الغربية ووسائل الإعلام الرئيسية، وكان الهدف المعلن من الكتاب هو رفض محو ضحايا الحرب وإضفاء وجه إنساني على الأزمة.

ويكمن جوهر النقد السياسي للكتاب في الفقرة التي تعتبرها نوجين المفضلة لديها، حيث تنتقد كيف أن تواريخ الحروب «عادة تمجد القادة العسكريين، أو الرؤساء، أو الأشخاص في السلطة، على الرغم من أن هؤلاء هم سبب مآسي الحرب»، بينما «يتم نسيان ضحايا الحرب أو ذكرهم ك مجرد أرقام وإحصائيات».

وبهذا فإن الكتاب شهادة لاجئ تحولت إلى بيان نقدي يسعى لتصحيح عدسة التاريخ، محولا المذكرات إلى قطعة أدبية وسياسية مؤثرة تصر على أن اللاجئين كائنات بشرية مكتملة تحتاج إلى «التعاطف بقدر حاجتهم إلى المأوى».

نوجين مصطفى الكاتب السورية التي تحدث الحرب والإعاقة
نوجين مصطفى الكاتب السورية التي تحدث الحرب والإعاقة

تحويل الضحية إلى بطل
يتعمق كتاب «فتاة من حلب» في موضوعات المرونة والتفاؤل كأدوات للبقاء والمقاومة، فبالرغم من التحديات الجسدية واللوجستية الهائلة، تمكنت نوجين من الحفاظ على تفاؤلها واستخدامها للفكاهة في أحاديثها وحواراتها كدليل على قوتها الداخلية.

يمكن تفسير التفاؤل والفكاهة في سياق سرد نوجين كأدوات نشطة للمقاومة السياسية المعرفية، والضحية التي ترفض الاستسلام لليأس والتجريد من الإنسانية ترفض بذلك السرد القائل بأن اللاجئ يجب أن يكون حزينا أو مكسورا لإثارة الشفقة. هي تصر على أنها «أكثر من مجرد إحصائية».

هذا التحويل في نموذج السرد هو جوهر القصة، حيث تعيد نوجين تعريف البطولة في أدب النزاع، مركزة على القوة الداخلية والفضول الإنساني كأشكال حاسمة من البقاء.

الكتاب كأداة للسياسات العالمية
امتد تأثير كتاب «فتاة من حلب» من الإلهام الفردي ليلامس بشكل مباشر صياغة السياسات الدولية، حيث أصبح الكتاب أداة سياسية عالمية، توجت بظهور نوجين للتحدث في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقد ساهمت نوجين بشكل كبير في دفع الحملة من أجل إعلان عام 2022 السياسي، الذي يهدف إلى تعزيز حماية المدنيين من العواقب الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، ومشاركتها في وثيقة دولية تتعلق بحماية المدنيين من الأسلحة المتفجرة تبرز ارتباطا سببا قويا بين تجربتها الشخصية وتغيير السياسات العليا. لقد أصبح سردها يمثل «بيانات نوعية» قوية تستخدمها المنظمات الدولية لتعزيز حماية الفئات الأكثر ضعفا، مما يربط بشكل مباشر تحديات الإعاقة في زمن النزاع بالمسؤوليات الحكومية.

المقالة السابقة
يوم العصا البيضاء.. حملة سعودية لرفع الوعي المجتمعي بأسباب العمى
المقالة التالية
انطلاق حملة لتسجيل المرضى وذوي الإعاقة في مخيم النيرب شمال سوريا

وسوم

أمثال الحويلة (456) إعلان عمان برلين (537) اتفاقية الإعاقة (689) الإعاقة (156) الاستدامة (1187) التحالف الدولي للإعاقة (1159) التشريعات الوطنية (931) التعاون العربي (601) التعليم (93) التعليم الدامج (69) التمكين الاقتصادي (100) التنمية الاجتماعية (1179) التنمية المستدامة. (98) التوظيف (73) التوظيف الدامج (905) الدامج (64) الدمج الاجتماعي (713) الدمج المجتمعي (177) الذكاء الاصطناعي (97) العدالة الاجتماعية (82) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (587) الكويت (103) المجتمع المدني (1156) الولايات المتحدة (69) تكافؤ الفرص (1150) تمكين (98) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (595) حقوق الإنسان (87) حقوق ذوي الإعاقة (103) دليل الكويت للإعاقة 2025 (438) ذوو الإعاقة (171) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1106) ذوي الإعاقة (587) ذوي الهمم (63) ريادة الأعمال (466) سياسات الدمج (1134) شركاء لتوظيفهم (457) قمة الدوحة 2025 (723) كود البناء (523) لغة الإشارة (79) مؤتمر الأمم المتحدة (414) مجتمع شامل (1145) مدرب لغة الإشارة (714) مصر (122) منظمة الصحة العالمية (739)