فرنسا – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
وُلدت الفرنسية ريتشيل لارديير Rachel LARDIERE بمدينة سانت كولومب، في مثل هذا اليوم، 28 يونيو، لتنشأ بين الرياضة والحلم، قبل أن تتغير حياتها بشكل جذري خلال سنوات المراهقة. كانت فتاة نشيطة، تمارس الجودو وتحمل الحزام الأسود، وتستعد للحصول على الدان الثاني، وتلعب كرة اليد، وتطمح لمستقبل رياضي متنوع، لكن حادثًا أثناء تدريب جمباز في المدرسة الثانوية عام 1988 أدى إلى إصابتها بشلل جزئي سفلي، لتبدأ رحلة جديدة، لا تقل طموحًا ولا إنجازًا.
بعد الحادث، انتقلت لارديير إلى مركز تأهيل في سان جيني لاڤال، وهناك التقت بأحد زملاء مستقبلها الرياضي، آلان هوريو، الذي سيعرّفها لاحقًا على نادي “AS Handivienne”، رغم أن اهتمامها بالرياضة توقف مؤقتًا أثناء انشغالها بالدراسة الجامعية في فيلوربان. بعد التخرج، ومع عودتها إلى بلدة بون إفيك، شعرت بفراغ جسدي ونفسي لم تملأه سوى العودة للرياضة، فحصلت على أول عضوية لها في النادي عام 1998.
كانت البداية مع السباحة بدافع الحاجة إلى النشاط، دون نية للمنافسة، لكن وجود مدربين ومحيط يفهم تفاصيل الإعاقة جعل التجربة مختلفة. بدأت في خوض تدريبات منتظمة، ثم انخرطت في معسكرات ومنافسات، وصولًا إلى مستويات عالية من الجاهزية. في سنوات الذروة، ظلت تمارس السباحة حتى ثماني مرات أسبوعيًا، إضافة إلى تمارين اللياقة والتأهيل البدني. لم تكن الرياضة وسيلة للإنجاز فقط، ولكن لبناء الثقة والنظام والاتزان، داخل المسبح وخارجه.
عام 2008، حملت علم فرنسا إلى دورة الألعاب البارالمبية في بكين، وكانت لحظة التحول الكبرى في مسيرتها. شاركت في سباق 100 متر صدر، ونالت الميدالية الفضية، لتصبح واحدة من أبرز الأسماء في السباحة البارالمبية الفرنسية. تلك اللحظة، كما ترويها، تعد انتصارًا فرديًا، وتجسيدًا لدعم جماعي من مدربين، عائلة، وزملاء من النادي، يتابعونها مباشرة من خارج مسبح فيين، ويرسلون لها رسائل دعم عبر الهاتف.
في السنوات التالية، شاركت في بطولات أوروبية وعالمية، مستمرة في تمثيل ناديها رغم تقدمها في العمر الرياضي. تدريباتها أصبحت أقل كثافة، لكنها ما زالت حاضرة، تصر على النشاط والالتزام. لم تعد تتحدث كثيرًا عن تفاصيل التدريبات، لكنها تصر على الاحتفاظ بنمط حياة صحي ومتوازن، مدفوع بالشغف والانضباط.
ترى في علاقتها بزميلتها ستيفاني دوار فرشيشي مثالًا على التضامن الحقيقي، فقد شاركتا معًا المعسكرات والسفر والتعب والانتصارات، وتشكلان دعمًا متبادلًا يتجاوز السباقات. خارج المسبح، تعمل لارديير في قسم الطوارئ بمستشفى مدينة فيين، وتجمع بين العمل المهني والنشاط الرياضي والعضوية الإدارية في ناديها الرياضي.
تعطي دائمًا نصيحة بسيطة للمبتدئين: التدرج في التمرين، والثقة في المدرب، وعدم استعجال النتيجة. لا تتحدث عن التحدي كمعاناة، بل كمسار يحتاج إلى تركيز وإيمان، تبدأ أولى خطواته بمحاولة واحدة، تفتح الباب لتجارب لا تُنسى.
على مدار أكثر من عشرين عامًا، ساهمت لارديير في ترسيخ قيمة أن الرياضة متاحة للجميع، وأن الإعاقة لا تعني نهاية الطموح. ما زالت تتمنى أن يظل ناديها بيئة ترحب بالجميع، سواء للترفيه أو التنافس، وتؤمن أن القيمة الحقيقية لأي منظومة رياضية تنبع من توازنها الإنساني.
في ذكرى ميلادها، يحتفي بها مجتمع السباحة الفرنسية كنموذج للإصرار والبساطة والانتماء، ويظل اسمها علامة في صفحات الرياضة البارالمبية.