لا يحلم مجدي جاد الله سوى ببقاء أطفاله على قيد الحياة، وألا تحولهم دانات ورصاص جيش الاحتلال إلى أشلاء، أو جثث هامدة تحت الأنقاض، حتى هاجس أن يخطف الموت أبناءه الثلاثة لا يفارقه، بعد أن نزح مع أسرته إلى المخيم الغربي بخان يونس.
كان يؤدي صلاة العشاء حينما سمع دوّى انفجار هائل، ورغم خيانة جسده الذي أثقلته الإعاقة، لم يستطع الركض لانقاذ أسرته، في لحظات دمرت آليات الاحتلال الإسرائيلي منزله في غارة مباشرة أودت بحياة زوجته وأطفاله الثلاثة، الذين لم يتجاوز أكبرهم الخامسة من عمره وأصغرهم لم يكمل عامه الثاني، نجا مجدي بجسده من الموت، لكن روحه تمزقت، ماتوا من كانوا حلمه وسنده في الحياة، وترك وحيدا على كرسيه المتحرك، يقول بصوت متحشرج وواهن” أعدموا حياتي”.
منذ سنوات، يعيش مجدي على كرسي متحرك، ورغم صعوبة الحياة في قطاعٍ غزة المحاصر، إلا أنه قاتل لتحقيق حلمه بتكوين أسرة، تزوّج وأنجب وعاش تفاصيل الحياة اليومية بشغف من يسابق الزمن، ويصارع من أجل البقاء، زوجته كما يقول، كانت سنده الأول”كانت ضهري، دلوقتي كل حاجة اختفت”.
الصورة التي انتشرت لمجدي وهو يُطالع صور عائلته بعد المجزرة التى ارتكبها جيش الاحتلال وراح ضحيتها كل أفراد أسرته، تختصر الحرب، رجلٌ مشلول يبحث في شاشة هاتف عن ابتسامة افتقدها إلى الأبد.
الاحتلال واستهداف ذوي الإعاقة: مأساة مركبة
لم تكن قصة مجدي جاد الله استثناء، بل جزء من نمط ممنهج، فقبل الحرب كان في غزة 58 ألف شخص من ذوي الإعاقة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومنذ 7 أكتوبر 2023، أضاف العدوان الإسرائيلي أكثر من 32 ألف مصاب جديد بالإعاقات الدائمة نتيجة القصف، وفق بيانات فلسطينية وأممية.
وفي تقريرها الصادر بأكتوبر 2024، وصفت الأمم المتحدة ما يحدث بأنه: “مأساة داخل مأساة، حيث تُرك الأشخاص ذوي الإعاقة بلا حماية على الاطلاق”
التقرير أكد أن الهجمات العشوائية قتلت وأصابت الآلاف ممن لا يشكّلون أي خطر أمني بل إن بعضهم لم يكن قادرًا حتى على الفرار، وأوامر الإخلاء كانت كأنها موجهة فقط للأصحاء، لم تُراعِ الكراسي المتحركة ولا الصمّ ولا المكفوفين ولا من يعتمدون على رعاية أسرهم.
مأساة حقيقية يعيش ذوي الإعاقة في فلسطين، فالمرضى وذوي الإعاقة تُركوا لمصيرهم بعد تدمير المستشفيات والمراكز الطبية، والأجهزة التعويضية دُمّرت أو فُقدت أثناء محاولات الإخلاء، والنساء والفتيات من ذوات الإعاقة واجهن مخاطر إضافية من صدمات وعنف انقطاع الدعم الأسري وعزلة تامة، تقرير الأمم المتحدة وصف ما يجرى في القطاع ، جاء فيه:”ذوي الاحتياجات الخاصة لا يُمنحون حماية كافية، بل غالبًا ما يُتروكون خلف الركام.”
قصة مجدي جاد الله لا تنتهي عند فقدانه بل تبدأ منه، هي شهادة على أن الاحتلال لا يقتل الأجساد فحسب، بل يُمعن في استهداف الضعفاء والمهمّشين، ومَن لا يملكون صوتًا.”