حقق جنديان كنديان من ذوي الإعاقة إنجازًا استثنائيًا عام 1923، حين قرّرا السير لمسافة تجاوزت ألفي كيلومتر، من مدينة كالغاري إلى العاصمة أوتاوا، بهدف لفت الانتباه لمعاناة قدامى المحاربين مبتوري الأطراف، بعد الحرب العالمية الأولى، في خطوة اعتبرها مؤرخون من أوائل مظاهر الحراك الحقوقي لذوي الإعاقة في كندا.
ذكر موقع «ذا كونفرسيشن» أن الجنديين السابقين جورج هينكس ومارشال مكدوجال، وكلاهما فقد ساقه في ساحات القتال، أطلقا رحلة شاقة امتدت أسابيع عدة لجذب انتباه الرأي العام إلى أوضاع المحاربين المصابين بالعجز الجسدي، في وقت كانت فيه نظرة المجتمع لهم قاسية وغير منصفة.
رحلة الألم والإصرار
نشرت صحيفة «كالغاري ديلي هيرالد» أول خبر عن الرحلة مرفقًا بصورة لهينكس ومكدوجال قبل انطلاقهما، وهما يقفان مبتسمين رغم فقدان كلٍّ منهما ساقه ويعتمدان على العكازات. وصرّح هينكس وقتها بأن الهدف هو إثبات أنّ «المبتور يمكن أن يملك stamina مثل أي شخص سليم».
فقد هينكس ساقه اليسرى عام 1915 بعد إصابته بـ36 طلقة في معركة «إيبر» حين كان أسيرًا في معسكر ألماني، فيما بُترت ساق مكدوجال عام 1918 إثر إصابته بشظية في معركة «كامبري». وبرغم تلك الإصابات، أصرّا على خوض الرحلة للتأكيد على أن الإعاقة لا تعني العجز عن المشاركة الفاعلة في المجتمع.

بعد أسبوعين من انطلاقهما، وصلت أخبارهما إلى مدينة «ميديسن هات»، حيث رصدت الصحف آثار الإرهاق عليهما من جروح وتقرحات بسبب احتكاك العكازات وتعب الأذرع، لكنهما تابعا المسير. فقد أرادا أن يُثبتا أن فقدان أحد الأطراف لا يسلب الإنسان إرادته ولا يحد من عطائه.
وفي مدينة «ريجاينا»، استقبلهما أحد قدامى المحاربين ويدعى بي. جي. بروذريدج، وكان قد فقد ذراعه في الحرب، فاستضافهما بمنزله وشجّعهما على مواصلة الرحلة. وكشف هذا اللقاء عن شبكة تضامن قوية بين مبتوري الحرب، شكلت لاحقًا الأساس لتأسيس أول تنظيم لحقوق ذوي الإعاقة في كندا.
قاد هؤلاء المحاربون عام 1920 إلى تأسيس «جمعية مبتوري الحرب العظمى»، التي تُعدّ النواة الأولى لـ«جمعية محاربي الحرب» المعروفة اليوم باسم «وار أمبس». وقد ركزت الجمعية على الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، وخصوصًا المبتورين، ومطالبة الحكومة بفرص عادلة في العمل والتعليم والرعاية الطبية.
نهاية الرحلة وبداية الوعي
وعند وصولهما إلى مدينة وينيبيغ، ألقى هينكس خطابًا مؤثرًا أمام حشد في فندق «فورت غاري» قال فيه: «المحارب المبتور لا يستطيع المنافسة في سوق العمل لأنه يعاني من وضوح إعاقته للعيان». ودعا المجتمع إلى تغيير نظرته السلبية بدل مطالبة ذوي الإعاقة بتجاوز الحواجز بمفردهم.
واصل الجنديان السير شرقًا نحو حدود مانيتوبا–أونتاريو، لكن مكدوجال اضطر للتوقف قرب مدينة كينورا بسبب الألم الشديد، فيما أصرّ هينكس على الاستمرار حتى ضفاف بحيرة سوبيريور. وبعد نحو 60 يومًا على انطلاق الرحلة، أعلنت صحيفة «ذا غلوب» توقف المسير بعنوان: «المبتوران يضطران للتوقف».

ورغم أنهما لم يصلا إلى أوتاوا كما كانا يخططان، إلا أن رحلتهما أصبحت رمزًا مبكرًا للتحدي والإصرار، وألهمت أجيالًا من ذوي الإعاقة في كندا والعالم للسعي نحو الاعتراف بقدراتهم وحقوقهم.
يرى المؤرخون أن رحلة هينكس ومكدوجال لم تكن مجرد مغامرة شخصية، بل فعل احتجاجي مبكر ضد التمييز الاجتماعي. فقد أعادا تعريف معنى الإنتاجية، ورفضا النظرة التي تحصر الإنسان في حدود جسده. كما أسّسا بفعلهما هذا لبذور الحركة الحقوقية التي تطورت في كندا بعد الحرب العالمية الثانية.


.png)


















































