لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية: أزمة قلبية أصابت زوجي غيرت حياتي

لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية: أزمة قلبية أصابت زوجي غيرت حياتي

المحرر: سحر شيبة - السعودية
لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية

لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية. اختارت أن تكون جسرًا حقيقيًا بين لغة لا تسمَع وقلوب تبحث عن ضالتها في زحام عالم لا تسمعه. تجربة شخصية مؤلمة مع زوجها الأصم، غيرت مسار حياتها.

في حوارها مع “جسور” تفتح لطيفة الفهيد قلبها. وتحكي عن بداياتها، والقصص التي عايشتها وصنعت منها امرأة ملهمة. لتكون واحدة من  أبرز الداعمات لمجتمع الصم في المملكة العربية السعودية.

متى بدأت رحلتك مع دعم الصم؟ ومتى شعرت أن في هذا الطريق ستكون رسالتكِ؟

منذ طفولتي وأنا على تماس مباشر بعالم الصم، لكن التحوّل الحقيقي في حياتي بدأ عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري. كان زوجي من فئة الصم، وذات يوم تعرّضت لأزمة قلبية. نُقلت على إثرها إلى المستشفى. حاول زوجي آنذاك وبكل ما يستطيع التواصل مع موظفي الخدمة، إلا أن صعوبة الفهم عليه جعلته يرفع صوته محاولًا إيصال ما أعجزته الإشارة عنه. ظنه البعض مخمورًا أو فاقد الاتزان، فتعاملوا معه بعنف. وضربوه وأخرجوه من المستشفى.

لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية
لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية

لطيفة الفهيد في المحاكم من أجل الصم

بعد خروجي من المستشفى لم أعد كما كنت، فقد تغيّرت توجهاتي وأهدافي. شكراً لمرضي الذي كشف لي طريقًا جديدًا وغيّر اتجاه حياتي،طريق جعلني أكون صوتًا لمن لا يُسمَع، وجسرًا لمن لا يجد سبيلًا للتواصل.

متي شعرتي أنك جزءًا من مجتمع الصم ؟

أصبحت جزءًا من مجتمع الصم منذ عام ١٤٠٨ هـ. في المستشفيات كنت أشرح ما يعانيه الأصم. وما يحتاجه،وكنت أساعد الأهالي على فهم أبنائهم الصم والتعامل معهم بطريقة صحيحة. وفي المحاكم حضرت جلسات خاصة بالصم. لتسهيل تواصلهم وضمان حقوقهم. أما في المدارس، فساهمت في توعية معلمات الصم في السعودية. وحل المشكلات الداخلية التي تواجه الطالبات الصم.

لطيفة الفهيد: أصبحت جزءًا من مجتمع الصم وأعتز بلقب الأم الروحية

ومع مرور الوقت، ومع كثرة المواقف الإنسانية التي جمعتني بهم. لقّبتُ بالأم الروحية للصم، وهو لقب أعتز به لأنه جاء من محبة صادقة واحتياج حقيقي.

حدثينا عن الشخصيات التي أثرت في اتجاهك نحو خدمة مجتمع الصم؟

أول من أثر في حياتي هي أسرتي، البداية كانت من زوجي رحمه الله، ثم والد زوجي ووالدته رحمهم الله جميعًا، إضافة إلى إخوة زوجي من الصم، كانوا الداعمين الحقيقيين لي، والمحفزين الأوائل الذين شجعوني ومنحوني الثقة. لأدخل عالم الصم بقلبٍ ثابت ونيّة صادقة.

وبعد دخولي ساحة الصم واتساع علاقاتي. كان هناك أشخاص لهم أثر بالغ في مسيرتي. من بينهم الدكتور سعيد القحطاني، والدكتورة فوزية أخضر رحمها الله، والدكتورة حصة الوايلي التي قامت بتوفير أول مكان يجمعني بالصم لإقامة المحاضرات الدينية. والإجابة على استفساراتهم واقامة الفعاليات. مما منحني إنطلاقة حقيقية. وأحدث أثرًا ملموسًا في عملي وخدمتي للمجتمع.

كيف نظّمتي حياتك اليومية لخدمة الصم؟ وهل واجهتي اعتراضات من المجتمع؟

كان ذلك بالتفرغ الكامل. فقد كرّست وقتي وجهدي لخدمتهم. حتى إنني قدّمت استقالتي من وظيفتي. لأتفرغ لهذه الرسالة، وأصبح منزلي مكانًا مفتوحًا لاستقبال الصم ومساندتهم. ولم أواجه أي اعتراض من أسرتي، بل كانوا داعمين ومقدّرين لما أقوم به.

نشر لغة الإشارة واجه رفضًا وكأنها أداة حرب

أما على مستوى المسؤولين وبعض الأسر، فقد واجهت اعتراضات في بداياتي، كان البعض يرفض توسيع نطاق لغة الإشارة أو نشرها، معتقدين أن الأصم إذا تعلّم لغة الإشارة كأنه حصل على “أداة للحرب”، وهذا تصور خاطئ تمامًا. نعم واجهت اعتراضات ومقاومة، لكنها لم تُضعف عزيمتي.

واليوم، ولله الحمد، أصبحت لغة الإشارة مُعترفًا بها ومحل اعتزاز، وتم إقرارها بوصفها اللغة الأم للأصم، وما زلنا نأمل أن تقتنع كل الأسر بأهميتها. ودورها في احتضان أبنائهم الصم وتسهيل تواصلهم مع المجتمع.

بلغة الإشارة أثبتت براءة سيدة عجوز من تهمة أخلاقية

ما أصعب المواقف التي تعرضتي لها في بداية التعامل مع الصم؟ 

من أصعب المواقف التي مررتُ بها أثناء خدمتي للصم. كان مع إحدى الأخوات الصم، كانت كبيرة في العمر، تم اتهامها في قضية أخلاقية. كانت تفتقر إلى لغة الإشارة. ولم تستند في تواصلها إلى أي قاموس إشاري، مما جعل إشاراتها مبهمة وغير مفهومة. حضر لها أكثر من مترجم. لكن لم يتمكن أحد من مساعدتها، فتمت الاستعانة بي لإيصال صوتها. وترجمة ما تقول.

في البداية لم أستطع فهم إشاراتها، فكان التواصل شديد الصعوبة. استعنتُ بالتمثيل واللغة الوصفية والصور. بل وعرضت عليها صور الجناة لتحديد ما تقصده. وبعد جهد طويل، وبفضل الله، تم توضيح الحقيقة كاملة وإثبات براءتها.

أعترف أن هذا الموقف كان من أصعب التحديات التي واجهت لطيفة فهيد. لكنه أثبت لي أن الإصرار والمرونة يمكنهما فتح أبواب التواصل حتى في أصعب الظروف.

كما واجهتُ موقفًا آخر لا يقل صعوبة عن السابق، مع سيدة مريضة أصيبت بجلطة. سببت لها الصمم والعمى معًا. تم استدعائي للتواصل معها، وكان التحدي مضاعفًا. لجأتُ إلى التواصل اللمسي والحسي، مستخدمة لمس اليدين وحركات بسيطة تنقل الطمأنينة .وتسمح لها بالتعبير عن مشكلتها. مثل عند شعورك بالألم اضغطي على يدي أو إرمشي بعينك. وتمكّنتُ بفضل الله من توضيح حالتها للطبيب الخاص بها، وكان لهذا الموقف أثر كبير في نفسي، ودفعني إلى تعميق معرفتي بطرق وفنون التواصل مع فئات الصم. بمختلف حالاتهم.

لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية مع أسرتها
لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية مع أسرتها

الاعتراف بلغة الإشارة يضمن تمثيل صوت الصم بوضوح

ما أبرز التحديات التي تواجه الصم من وجهة نظرك ؟

من أبرز التحديات التي يواجهها الصم. هي مطالبهم المستمرة بالمساواة مع أقرانهم في التعليم. وفي التوظيف، وفي أماكن الترفيه، وفي مراكز الشرطة. وفي المستشفيات، فقد كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا لإيصال صوتهم. والمطالبة بحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الاعتراف بهم. وبثقافتهم. ولغتهم الأم. لغة الإشارة.

وفي النهاية أدركتُ من خلال مرافقتي لهم. أن المعادلة الحقيقية التي تضمن حقوق الأصم. هي الاعتراف بلغة الإشارة. وثقافة الصم
، وهذا كان وما زال شعار رحلتي ورسالة عملي في مواجهة تحدياتهم. ودعم حضورهم وحقوقهم في المجتمع.

هل شعرتِ في وقت ما أن الضغوط أصبحت أكبر من طاقتك؟

لم أشعر في يوم من الأيام أن ما أحمله فوق طاقتي، ولم أرَه عبئًا أو حملاً ثقيلاً، بل كان رسالة آمنت بها وسعيت لأجلها بكل ما أستطيع. كانت القوة تأتي أولاً من الله، ثم من زوجي رحمه الله. ومن كل من وقف إلى جانبي ودعمني وصدق برسالتي. هؤلاء كانوا مصدر إلهامي واستمراري. وهم الذين جعلوا الطريق أمي- حتى وإن كان طويلاً- ممتلئًا بالقدرة على العطاء.

تعلم اللغة العربية وممارسة الرياضة

كيف تتعاملين مع التحديات المرتبطة بالتعليم، التواصل، أو الاندماج المجتمعي؟

رسالة التعامل مع هذه التحديات كانت دائماً واضحة بالنسبة لي. وهي الاعتراف بلغة الإشارة. واحترام ثقافة الصم. وهذا هو المدخل الحقيقي لضمان حقوقهم. وتمكينهم من العيش بكرامة.

ما أهم الأنشطة التي تقدمينها الصم؟

مارست العديد من الأنشطة، منها دعوتهم للحفلات والمؤتمرات. لإبراز هويتهم وتوسيع شبكة علاقاتهم الاجتماعية والمهنية. ونشر ثقافتهم ولغتهم وأهميتها في المجتمع. والسعي لتمكينهم من حقوقهم التعليمية والاجتماعية والمهنية، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة والفعاليات الوطنية. وإقامة أنشطة صغيرة في عدة أماكن للتجمع والترفية. لتفعيل الأيام العالمية. مثل اليوم العالمي للاعاقة. ويوم الأصم لتعزيز اندماجهم.

كما تم التنسيق مع الكثير من الجهات و الأفراد لتقديم دورات وورش عمل. لتطوير مهاراتهم في اللغة العربية. وصياغة الأسئلة والإجابات كتابيا. وذلك لتسهيل التواصل عند عدم توفر خدمة الإشارة، إضافة إلى تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الرياضية.

هل في تعاونت مع جمعيات أو جهات سعودية لدعم الصم؟

نعم، كثيرا حدث ذلك، وعملت تحت مظلة جهات وجمعيات تخدم فئة الصم، أما الأعمال التطوعية والإنسانيه التي ساهمت بها. هي التي كانت بشكل فردي.

زيادة فرص التعليم يعزز اندماج الصم في المجتمع

كيف ترين واقع الصم اليوم؟

واقع الصم اليوم يشهد تحسنًا كبيرًا. مقارنة بالسابق، فقد توسعت الخدمات المخصصة لهم، وارتفع مستوى الوعي المجتمعي بحقوقهم. كما زادت الفرص التعليمية والمهنية المتاحة، مما عزّز اندماجهم ومشاركتهم في المجتمع بشكل أفضل.

ما التغيير الذي تتمنين حدوثه في المجتمع السعودي لدعم الصم بشكل أكبر؟

الحمدلله. وصلنا مرحلة ننافس فيها الدول المتقدمة، لكنني أتمنى دعمًا أكبر للصم. لمشاركتهم في مجلس الشورى. وتوسيع فرص العمل لهم، وزيادة التوعية بثقافتهم ولغتهم لضمان اندماجهم الكامل في المجتمع.

لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية مع رفيقاتها
لطيفة الفهيد الأم الروحية للصم بالسعودية مع رفيقاتها

لطيفة الفهيد للصم: صوتكم مسموع

ماهي رسالة لطيفة الفهيد للصم الذين يبحثون الآن عن طريقهم؟

رسالتي لهم:” أنتم قادرون، وصوتكم مسموع، ولا شيء يوقفكم عن تحقيق أحلامكم. استمروا، فهناك نماذج مشرّفة من الصم أثبتوا حضورهم في مجالات مختلفة مثل الإعلام، الترجمة، ريادة الأعمال، والرياضة هم قدوات حقيقية يمكن الاقتداء بهم في الإصرار والنجاح، وتعزيز حضور الصم في المجتمع مثل هيلين كيلر والدكتور سعيد القحطاني وزوجي عبدالعزيز الفهيد رحمه الله

ما أجمل الرسائل التي تلقيتيها خلال رحلتك في خدمة الصم ؟

أتذكر أنني تلقيت رسالة من أحد الصم، بعد حصوله على كأس ووسام، أهداه لي ولزوجي، قائلاً:” أهدي هذا الكأس لك ولزوجك، فلقد كان له الفضل الكبير في رفع معنوياتي وتحفيزي. وتعليمي القيادة وقوة الشخصية التي عززها بي”. رغم أن الكلمات موجهة لزوجي، إلا أنني شعرت أنها تخصني أيضًا، وكان لها أثر عميق في نفسي.

لمن توجّهين الشكر بعد نجاح رحلتك الطويلة مع الصم؟

أشكر خادم الحرمين الملك فهد، والملك عبدالله، وأمير الإنسانية سلطان رحمهم الله جميعا، على دعمهم، وتلبية طلباتنا بشكل سريع ، وأشكر الأميرة الجوهرة بنت فيصل. على دعمها للتعليم العالي للصم، والدكتورة فوزية أخضر رحماه الله، والدكتور سعيد القحطاني على ما قدماه من دعم، وأخيرًا أشكر زوجي رحمه الله. وأبنائي على تفهمهم ودعمهم الدائم لي.

المقالة السابقة
فيروس ماربورج .. دليل الطوارئ لحماية ذوي الإعاقة من «الخطر المميت»
المقالة التالية
انطلاق بطولة «Unity Cup25» لدعم ذوي الإعاقة في مصر غدًا السبت

وسوم

الإعاقة (3) الاستدامة (33) التحالف الدولي للإعاقة (34) التربية الخاصة (2) التشريعات الوطنية (33) التعاون العربي (33) التعليم (4) التعليم الدامج (4) التمكين الاقتصادي (3) التنمية الاجتماعية (33) التنمية المستدامة (3) التوظيف الدامج (32) الدمج الاجتماعي (31) الدمج الجامعي (3) العدالة الاجتماعية (3) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (31) الكويت (5) المتحف المصري الكبير (4) المجتمع المدني (31) المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (4) المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (4) الوقائع الإخباري (2) تكافؤ الفرص (32) تمكين (2) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (31) حقوق الإنسان (3) حقوق ذوي الإعاقة (3) دليل الكويت للإعاقة 2025 (30) ذوو الإعاقة (12) ذوو الاحتياجات الخاصة. (31) ذوي الإعاقة (9) ذوي الهمم (5) ريادة الأعمال (33) سياسات الدمج (33) شركاء لتوظيفهم (34) قمة الدوحة 2025 (35) كود البناء (36) لغة الإشارة (2) مؤتمر الأمم المتحدة (36) مبادرة تمكين (3) مجتمع شامل (36) مدرب لغة الإشارة (37) مصر (12) منظمة الصحة العالمية (37) وزارة الشؤون الاجتماعية (2)