متحف بريطاني يعرض 170 عملاً فنيًا لمبدعين من ذوي الإعاقة

جسور-  فاطمة الزهراء بدوي

افتتح متحف “فيكتوريا وألبرت” العريق بلندن معرضًا فنيًا استثنائيًا تحت عنوان “Design and Disability”، يستعرض عبره كيف يمكن للتصميم أن يتحول من مجرد أداة وظيفية إلى لغة ثقافية وإنسانية يقودها ذوو الإعاقة أنفسهم.

المعرض الذي بدأ في يونيو الجاري ويستمر حتى فبراير 2026، يمثل نقلة نوعية في النظرة التقليدية للدمج والتصميم، ويفتح مساحات جديدة لتخيل مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا.

المعرض، الذي وصفته الناقدة البريطانية “لوسي ويبستر” في صحيفة The Guardian بأنه “عرض يشكل العالم ويتجاوز الحدود”، لا يكتفي بعرض منتجات أو أدوات مساعدة، ولكنه يقدم منظورًا جديدًا حول كيف يمكن أن تكون الإعاقة مصدرًا للإبداع وليس عائقًا أمامه.. من الأحذية ذاتية الربط إلى الأجهزة الحسية المصممة للاستخدام دون تدخل يدوي، يضع المعرض ذوي الإعاقة في قلب العملية التصميمية لا على هامشها.

تصميم من الداخل: من الاحتياج إلى الإبداع

ينطلق المعرض من مبدأ بسيط لكنه ثوري: أن ذوي الإعاقة أكثر من مجرد مستخدمين للتكنولوجيا، ولكنهم رواد في تصميمها وتوجيهها.. هذا ما يتجلى في أكثر من 170 قطعة فنية وتصميمية، معظمها صممه فنانون ومهندسون من ذوي الإعاقة أنفسهم، يعكسون عبرها تجاربهم الشخصية واحتياجاتهم اليومية، دون المساومة على الجمال أو الوظيفة.

يقول أحد القائمين على المعرض إن “الفكرة عن تمكين الأشخاص من التعبير عن أنفسهم، والسماح لهم بتشكيل البيئة المحيطة بهم كما يشاؤون”. هذا المنظور يغير قواعد اللعبة في عالم التصميم، ويضع معايير جديدة لما يُعتبر تصميمًا جيدًا.

تجربة حسية ومفاهيمية

يتنقل الزائر بين أقسام المعرض كما لو كان يعبر فصولًا من حكاية متكاملة.. من تاريخ الحركة الحقوقية لذوي الإعاقة، إلى نماذج من الاختراعات اليومية التي لم تنل ما تستحقه من الاعتراف، وصولًا إلى أفكار مستقبلية تسعى لدمج التصميم مع الذكاء الاصطناعي والحس الحركي.

واحدة من أبرز القطع في المعرض هي جهاز تكنولوجي مصمم خصيصًا للاستخدام الجنسي من قبل أصحاب الإعاقة الجسدية، وهو ما اعتُبر إعلانًا صريحًا بأن الاستقلالية تشمل كل جوانب الحياة، بما فيها الأكثر خصوصية.. القطعة ليست صادمة بقدر ما هي جريئة، وتضع تحديًا أمام المجتمع في كيفية رؤيته للجسد والرغبة والحق في المتعة.

تجاوز المنحدرات: التصميم بوصفه موقفًا

يعيد المعرض تعريف العلاقة بين الإنسان والفضاء، مؤكدًا أن الدمج لا يُقاس فقط بوجود منحدرات للكراسي المتحركة أو أبواب إلكترونية، ولكن بالاستماع الفعلي لمن يعيشون التجربة، ومنحهم المساحة ليعيدوا صياغة المفاهيم من منظورهم.

هذا ما شددت عليه لوسي ويبستر، التي كتبت: “هذا المعرض ليس فقط عن التصميم، ولكن الأشخاص الذين يقودون هذا التصميم، ويضعونه في قلب سردهم الشخصي والسياسي”.. المعرض، بحسب وصفها، لا يستجدي التعاطف، بل يطالب بالاعتراف، ويعرض الإعاقة بوصفها سياقًا ثقافيًا وتجريبيًا غنيًا يمكن أن يُلهم، ويبتكر، ويغير.

دعوة لإعادة التفكير

يتزامن المعرض مع تحولات عالمية تتزايد فيها الدعوات لمجتمعات أكثر شمولًا، لكنه يخطو خطوة إضافية بطرحه رؤية ترى في الإعاقة فرصة تصميم، وفي الاختلاف أداة للتطور.. وفي ذلك، يشكل المعرض تجربة بصرية، وموقفًا أخلاقيًا يدعو إلى تفكيك الصور النمطية التي لطالما رافقت أصحاب الإعاقات في الإعلام والفن والعمارة.

من لندن، يبعث “Design and Disability” برسالة عالمية مفادها أن الوقت قد حان ليأخذ ذوو الإعاقة موقعهم الكامل ليس كمستهلكين أو ضحايا، ولكن كمبدعين ومؤثرين في صناعة شكل العالم.