متلازمة أشر واحدة من أكثر الاضطرابات الوراثية تعقيدًا. تجمع بين فقدان السمع منذ الميلاد أو الطفولة المبكرة. وتدهور البصر التدريجي. الناتج عن اعتلال الشبكية الصباغي. الذي يضيّق مجال الرؤية عامًا بعد عام.
ورغم ندرتها عالميًا، إلا أنها السبب الأكثر شيوعًا للجمع بين الصمم وضعف البصر ذي المنشأ الوراثي. وهو ما يجعل فهم جذورها الجينية خطوة أساسية للوقاية والكشف المبكر. خاصة في المجتمعات التي ينتشر فيها زواج الأقارب.
ملامح متلازمة أشر وأعراضها السريرية
تظهر متلازمة أشر بثلاث صور سريرية رئيسية. تختلف في شدتها وبداية أعراضها. في النوع الأول يولد الطفل بصمم شبه كامل مع مشكلات واضحة في التوازُن. وبداية مبكرة لضمور الشبكية. بينما يظهر النوع الثاني بفقدان سمعي متوسط إلى شديد مع توازُن طبيعي غالبًا. وتطور بطيء لاعتلال الشبكية. يبدأ في مرحلة المراهقة أو بدايات الشباب.

أما النوع الثالث فيتسم بفقدان سمعي تدريجي. يبدأ في مراحل لاحقة، مع تدهور بصري متفاوت قد يتقدم ببطء أو بسرعة. حسب نوع الطفرة التي يحملها المريض.
وترتبط هذه الأنماط السريرية بخلل جيني محدد، إذ تعتمد المتلازمة في ظهورها على طفرات. تصيب مجموعة من الجينات المسؤولة عن وظائف دقيقة. داخل الخلايا الحسية في الأذن الداخلية والشبكية.
من أبرز هذه الجينات MYO7A وUSH1C وCDH23 وPCDH15 المرتبطة بالنوع الأول. وجينات USH2A وADGRV1 وWHRN المرتبطة بالنوع الثاني. وجين CLRN1 الأكثر ارتباطًا بالنوع الثالث.
هذه الجينات تلعب دورًا محوريًا في تثبيت الخلايا الحسية. ونقل الإشارات العصبية. والحفاظ على سلامة مستقبلات الضوء في الشبكية، وأي خلل في عملها. ينعكس مباشرة على السمع والبصر معًا. وقد أظهرت الدراسات أن الطفرات داخل الجين الواحد قد تؤدي إلى صور مرضية متفاوتة. ما يعني أن شدة المتلازمة لا ترتبط فقط بنوع الجين، بل أيضًا بطبيعة الطفرة وموقعها.
الدور الوراثي.. كيف تبدأ المتلازمة من خلل جيني واحد؟
ويعدّ الجانب الوراثي في متلازمة أشر هو العامل الحاسم في ظهورها. إذ تنتقل المتلازمة في معظم حالاتها عبر الوراثة الجسمية المتنحية، أي أن الطفل يُصاب فقط عندما يرث نسختين معطوبتين من الجين نفسه من كلا الوالدين. هذا يعني أن الوالدين قد يكونان حاملين للطفرة دون أن تظهر عليهما أي أعراض، ومع ذلك يكون لكل حمل فرصة نسبتها 25% لولادة طفل مصاب، و50% لولادة طفل حامل للطفرة دون أعراض. و25% لولادة طفل سليم تمامًا.

ولهذا السبب ترتفع نسب الإصابة في العائلات التي ينتشر فيها زواج الأقارب، حيث تزيد احتمالات التقاء طفرات متشابهة موروثة من الجدود المشتركة. ما يؤدي إلى انتقال المرض عبر أكثر من جيل داخل الأسرة الواحدة. وتبرز أهمية الفحوصات الوراثية هنا، إذ تساعد اختبارات الجينات الحديثة في تحديد الطفرات المسببة للمرض داخل العائلة. وتقديم مشورة دقيقة للأبوين حول احتمالات تكرار الحالة.
كما تسمح هذه الفحوصات باستخدام تقنيات الإنجاب الحديثة مثل التشخيص الوراثي قبل الغرس (PGD) لتفادي نقل الطفرات إلى الأبناء، مما يجعل الوعي الوراثي جزءًا أساسيًا من الوقاية في المجتمعات العربية.
التشخيص المبكر وخيارات العلاج
أما على مستوى التشخيص، فيعتمد الأطباء على مجموعة من الفحوصات السمعية والبصرية الدقيقة، إلى جانب التحاليل الجينية التي تُعدّ معيارًا ذهبيًا لتحديد النوع والجين المصاب. ورغم عدم وجود علاج نهائي حتى الآن، فإن التدخل المبكر باستخدام أجهزة السمع أو زرع القوقعة، وبرامج التأهيل البصري، والمتابعة الدقيقة لمجال الرؤية، يساعد في تحسين جودة حياة المرضى.
وفي السنوات الأخيرة ظهرت بوادر أمل جديدة مع تطور تقنيات العلاج الجيني والأونكلوتيدات المضادة، والتي تستهدف تصحيح الطفرات أو تحسين وظيفة الجينات المتضررة. وتحقق بعض التجارب نتائج أولية مشجعة. خاصة لدى المصابين بطفرات في جين USH2A.
وتؤكد متلازمة أشر رغم ندرتها أهمية التوعية الوراثية والفحص المبكر في المجتمعات العربية، ليس فقط لمساعدة الأسر على اكتشاف المرض مبكرًا، بل لتقليل ظهوره مستقبلًا من خلال المشورة الوراثية وفحوصات ما قبل الزواج. فالقصة تبدأ من جين صغير معطوب، لكنها قادرة على تغيير مسار حياة كاملة إذا لم تُكتشف في وقت مبكر.
وفي هذا السياق يوضح الدكتور محمود خيري، استشاري الأمراض الوراثية لـ” جسور” أن متلازمة أشر تُعدّ من الاضطرابات التي تمس السمع والبصر معًا. نتيجة خلل يصيب الجين المسؤول عن تكوين أعصاب السمع والبصر داخل رحم الأم. هذا الخلل الجيني يؤدي إلى ضمور في الحاستين، وقد يظهر مباشرة بعد الولادة أو يتطور تدريجيًا خلال سنوات الطفولة. تبعًا لطبيعة الطفرة ومدى تأثيرها على وظيفة الأعصاب الحسية.

ضرورة الفحص الجيني
ويبيّن الدكتور خيري أن هذا الخلل وراثي من النوع الذي ينتقل عبر جين متنحٍ، ما يجعل احتمالية إصابة الطفل تصل إلى 25% إذا كان الأبوان يحملان الطفرة نفسها، حتى وإن لم تظهر عليهما أي أعراض أو مشكلات في السمع أو البصر. ويشير إلى أن كثيرًا من الأسر ترفض في البداية الاعتراف بالدور الوراثي. لأن الوالد أو الوالدة يبدو سليمًا تمامًا، وهو ما يدفع الأطباء دائمًا للتأكيد على الفرق بين “حامل المرض” و“المريض”. فحامل المرض يملك نسخة واحدة فقط من الجين المتحوّر دون أي أعراض، بينما المريض يحمل نسختين من الطفرة، وهو ما قد يؤدي عند الأطفال إلى فقدان السمع والبصر منذ الولادة. أو حدوث تدهور سريع في الحاستين خلال وقت مبكر من الطفولة.
ويضيف خيري أن الفحص الجيني يمثل خطوة أساسية عند الاشتباه في متلازمة أشر، خاصة عندما تظهر مشكلات سمعية وبصرية متزامنة، أو إذا كان هناك تاريخ مرضي مشابه داخل العائلة. ففي حالة وجود إصابة سابقة، ترتفع احتمالات اكتشاف الطفرة بصورة أسرع، أما عند ظهور أول حالة في الأسرة، فيكون الأمر بمثابة إنذار يستدعي فحص أفراد العائلة بحثًا عن الطفرات المرتبطة بالمتلازمة.
إعاقة سمعية وبصرية معقدة بلا علاج
ويؤكد استشاري الأمراض الوراثية أن المتلازمة لا تؤثر على عمر المصاب ولا ترتبط بالوفاة، لكنها تسبب إعاقة سمعية وبصرية معقدة، لا يوجد لها علاج نهائي حتى الآن، إلا أن التشخيص المبكر يمكن أن يحد من سرعة تدهور الحالة ويؤخر الوصول إلى مرحلة فقدان السمع والبصر الكاملين
كما يشير إلى أن التطور الكبير في علم الوراثة أتاح فرصة لتفادي انتقال الطفرات الوراثية المسببة للمتلازمة عبر تقنية تنقية الأجنة. وتقوم هذه العملية على أخذ عينات من بويضات الأم ومن السائل المنوي للأب، ثم إجراء التلقيح للحصول على عدد من الأجنة، يلي ذلك فحصها وراثيًا واختيار الأجنة السليمة الخالية من الطفرة، واستبعاد الأجنة الحاملة للطفرات، ثم زرع الأجنة السليمة فقط في رحم الأم، بما يضمن ولادة طفل غير مصاب بالمتلازمة.


.png)


















































