كارديف – جسور- فاطمة الزهراء بدوي
قضت محكمة العمل في كارديف بتعويض قيمته أكثر من 17 ألف جنيه إسترليني، لصالح موظف يعمل في مؤسسة خيرية للأطفال، تُدعى “The Venture” بمدينة ريكسهام، بعد ثبوت تعرضه للتمييز بسبب الإعاقة، والتحرش، وخصم غير مشروع من أجره، والفشل في توفير تعديلات مناسبة لوضعه الصحي.
الموظف، الذي تم تشخيصه بالتوحد في عام 2019، التحق بالعمل كمشرف مشروعات في يوليو 2021. ومع مرور الوقت، تولى دورًا ثانيًا داخل نفس المؤسسة، لكنه طلب إجراء تعديلات حسية لبيئة العمل، منها تقليل الضوضاء المحيطة وتقليل الإضاءة الساطعة، تماشيًا مع احتياجاته الصحية.
ورغم اعتراف المؤسسة بهذه الاحتياجات، إلا أن المحكمة استمعت إلى أن تنفيذ التعديلات لم يكن منتظمًا، ما خلق بيئة عمل غير داعمة. الموظف اضطر إلى تقديم شكوى رسمية مكتوبة في ديسمبر 2023، إلا أن الشكوى لم تُعالج بشكل فعال، ولكن تصاعدت الأمور عندما تم تعليقه عن أداء الدور الثاني في يونيو 2024.
المحكمة، التي انعقدت في فبراير 2025، وثقت 13 واقعة اعتُبرت سلوكًا غير مرغوب فيه مرتبطًا بالإعاقة. من بين هذه الوقائع، وُصف الموظف بكلمات مهينة مثل “غريب الأطوار”، وتعرض لتعليقات مهينة من رؤسائه تساءلت عن سبب عدم “تصرفه بشكل طبيعي مثل باقي الزملاء”، وهو ما اعتُبر تحرشًا وإقصاءً متعمدًا من بيئة العمل.
من جانبها، علقت بام لوخ، الخبيرة في شؤون العمل ومؤسسة مجموعة Loch Associates، بأن “القضية تُسلط الضوء على الدور الحاسم للممارسات الإدارية اليومية في منع التمييز داخل بيئات العمل”. وأشارت إلى أن التعامل المهني مع التحديات الصحية داخل أماكن العمل يبدأ من إدارات الموارد البشرية التي تلتزم بمتطلبات القانون وتعامل الموظفين على أساس العدالة والكرامة.
أما كريس غارنر، المدير العام لشركة Avensure المتخصصة في قضايا العمل، فأوضح أن “المؤسسة بدأت بداية واعدة حينما وافقت مبدئيًا على تنفيذ التعديلات المطلوبة، لكنها تراجعت عن التزاماتها، واختارت الإقصاء كحل بديل”. وأضاف أن “الموظف منح المؤسسة فرصة لتصحيح الوضع عبر تقديم شكوى رسمية، إلا أنه قوبل بتجاهل وتصعيد إضافي، وهو ما زاد من الضرر الواقع عليه”.
القضية تُعد تحذيرًا للمؤسسات بشأن التهاون في تطبيق قانون المساواة البريطاني، خاصةً فيما يخص توفير التعديلات المعقولة للموظفين ذوي الإعاقة. إذ ينص القانون على إلزام صاحب العمل بتوفير بيئة مهنية مناسبة تُمكّن جميع العاملين من أداء مهامهم دون عوائق، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالة، بحسب المحكمة.
التمييز المبني على الإعاقة لا يقتصر فقط على الفشل في توفير الدعم المناسب، حيث يمتد ليشمل الإهانات اللفظية، تجاهل الشكاوى الرسمية، والتصرفات العدائية التي تخلق مناخًا سلبيًا يؤثر على صحة العامل النفسية وأدائه الوظيفي.
وتُشير هذه القضية إلى أهمية التزام أصحاب الأعمال والقيادات المؤسسية بثقافة عمل قائمة على الاحترام والمساواة، وتبنّي سياسات صارمة ضد التنمر والتمييز، سواء أتى من الإدارة أو الزملاء.
في نهاية الأمر، تكشف القضية عن فجوة بين الخطاب الرسمي للعديد من المؤسسات حول الشمول والتنوع، والتطبيق الفعلي داخل بيئات العمل. ويبدو أن الالتزام الحقيقي بحقوق ذوي الإعاقة يبدأ من احترام التفاصيل الصغيرة اليومية، مثل ضبط الإضاءة أو تقليل الضوضاء، وليس فقط من خلال السياسات العامة.