الهند- جسور- فاطمة الزهراء بدوي
رفضت محكمة دلهي العليا في الهند نحو 300 طعن، قدمتها وزارة الدفاع، ضد أحكام صادرة من محكمة القوات المسلحة، تقضي بمنح معاشات إعاقة لعدد من الجنود السابقين في الجيش الهندي، في حكم تاريخي يحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا.
رأت هيئة المحكمة المكونة من القاضيين، نافين تشاولا، وشاليندر كور، أن ما يُمنح للجنود من معاشات إعاقة لا يُعد تفضلًا أو هبة من الدولة، ولكنه حق أصيل، واعتراف صريح بما تحمله الجنود من آلام وأضرار بدنية ونفسية، خلال سنوات خدمتهم.
صدر القرار ضمن نزاع قانوني كبير بين وزارة الدفاع وعدد من الجنود المتقاعدين، أبرزهم العقيد المتقاعد بالب، والذين أصدرت محكمة القوات المسلحة قرارات سابقة، تقضي بأحقيتهم في المعاش، إلا أن الحكومة المركزية طعنت على هذه القرارات، بحجة أن الحالات المرضية لهؤلاء الجنود لم تكن نتيجة مباشرة عن الخدمة العسكرية أو تفاقمت بسببها.
أشار النائب العام الهندي، آر. فينكاتاراماني، الذي مثّل الحكومة في القضية، إلى أن الوضع القانوني تغير، وأن الافتراض السابق بأن كل مجند يبدأ خدمته بصحة عقلية وبدنية سليمة، لم يعد صالحًا كحجة أمام المحاكم، وأن الإعاقات التي لا تُسجل لحظة التجنيد لا يمكن ربطها تلقائيًا بالخدمة.
لكن المحكمة رأت أن هذا المنطق لا يمكن أن يُطبق بشكل آلي، فالتجربة العسكرية في ذاتها تفرض ضغوطًا جسدية ونفسية مستمرة على الجنود، حتى وهم في مواقع خدمة تُعتبر “سلمية”.
وأكدت أن التوترات النفسية والمخاطر الكامنة في حياة الجندي لا تغيب، حتى لو لم يكن متمركزًا في خطوط المواجهة.
شددت المحكمة على أن الحالات الصحية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، قد تنشأ نتيجة الإجهاد المستمر الذي يعانيه العسكريون، مشيرة إلى أن هؤلاء يعيشون في حالة تأهب دائم، حتى في أماكن تُصنف باعتبارها “آمنة”، نظرًا لطبيعة مهنتهم وما يرافقها من عزلة وصعوبات بيئية ومناخية.
كما حمّلت المحكمة مسؤولية إثبات أن الحالة المرضية ليست ناتجة عن الخدمة، إلى مجلس التقييم الطبي العسكري، مطالبة هذا المجلس بتقديم مبررات واضحة ومُفصلة في تقاريره، بشأن الأسباب التي تنفي صلة الخدمة بالإعاقة، ورأت أن غياب هذه المبررات يفتح المجال لتفسير المعاناة الصحية، على أنها نتاج مباشر أو غير مباشر لبيئة الخدمة.
ولفتت إلى أن رفض معاش الإعاقة لمجرد أن الإصابة وقعت خلال الخدمة في موقع “سلمي” يعكس فهمًا سطحيًا لطبيعة الحياة العسكرية، ويتغافل عن الظروف القاسية التي يعمل فيها الجنود بعيدًا عن حياة الأسرة والراحة.
وفي ختام الحكم، شددت المحكمة على أن قرارات محكمة القوات المسلحة صدرت ضمن اختصاصها، وأنه لا يوجد ما يبرر تدخل محكمة دلهي العليا لإلغائها، لتصدر بذلك قرارها الحاسم برفض جميع الطعون الحكومية، مؤكدة أن كرامة الجندي لا يجب أن تكون محل مساومة أو جدال قانوني.