تخيل أنك تقود طفلك الكفيف إلى مدرسته في صباح يوم دراسي، يسير معك الصغير مستسلما، لأنه لا يرى الطريق، لكنه يثق أنك مصدر الأمان الأول له، ويثق أن عينك اختارت موضع خطواته بعناية، فيصيبك أنت الهلع عندما ترى باب المدرسة الذي اعتدت الدخول منه،قد أغلق، وأنك مضطر للدخول من باب جانبي، يطل علي طريق ضيق، مزدحم بالسيارات و”التكاتك” والمارة، بحجة أن المبنى الملحق بالبوابة الرئيسية، تم بيعه أو تأجيره لجهة أخرى.
هذا ليس مشهداً من رواية حزينة، بل واقع يعيشه تلاميذ مدرسة طه حسين للمكفوفين بحي حلمية الزيتون في القاهرة، مدرسة طه حسين هي واحدة من المدارس المتخصصة في تعليم المكفوفين، التي تتبع وزارة التضامن الاجتماعي، وتستقبل الطلاب من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية.
وحسب رواية أولياء أمور التلاميذ – غالبيتهم من الأمهات- أنه على مدار سنوات، كان الباب الرئيسي للمدرسة هو منفذ الأمان لهؤلاء المكفوفين الصغار ومعلميهم، خاصة وأن معظم المدرسين يعانون أيضا من فقدان البصر.
فوجئ التلاميذ والمعلمين وأولياء الأمور، صباح اليوم الخميس، أنهم مضطرين للمرور عبر بوابة جانبية تطل على شارع ضيق لا يحتوي على رصيف، ويشهد زحاما مروريا يعرض حياة التلاميذ للخطر، وسبق أنهم تعرض بعضم لحوادث سير، حسب تاكيد أسر التلاميذ.
مناشدة الأمهات.. أولادنا في خطر
تقول والدة الطفل الكفيف عمر حمادة، في الصف السادس: «ولادنا مكفوفين، كنا بندخلهم من البوابة الرئيسية الآمنة، دلوقتي قالوا المبنى اتباع أو اتأجر، وقفلوه وخلونا نمشي في شارع كله تكاتك وعربيات، وابني وقع واتصاب، والنهاردة بعتنا بلاغ لنجدة قسم الزيتون جه وقعد شوية ومشي، وكأن حياة ولادنا متهمش حد».

والدة التلميذ الكفيف حمزة رفعت، وهو طالب بالصف السادس، تؤكد رواية سابقتها وتضيف:«المدرسة كان ليها ممر حديدي بيأمّن ولادنا من الباب لحد الفصول، دلوقتي الباب قفلوه وبندخل من شارع خطر، أنا جاية من الخانكة، بركب 3 مواصلات كل يوم وأستناه لحد ما يخلص، الأول كان عندنا استراحة تبع المدرسة يجلس فيها أولياء الأمور والأمهات للاستراحة من عناء المواصلات والانتظار حتى نهاية اليوم الدراسي، قفلوها وخلونا في الشارع».
والدة االطالب محمد رضا، وهو في الصف الثاني الإعدادي، تروى مأساتها اليومية قائلة: «بقالنا 8 سنين بندخل من الممر الواسع، دلوقتي كل يوم ولد يتخبط من تكتوك في الشارع، والشارع رايح جاي، وبندفع 60 جنيه رايح جاي توك توك، عشان مفيش أمان ولا حتى مكان نستريح فيه».
معلمون مكفوفون يعانون أيضًا
لم تتوقف المعاناة عند التلاميذ من جميع المراحل التعليمية في المدرسة، المعلمون أنفسهم يواجهون صعوبات في الدخول والخروج، بعد غلق الباب الرئيسي للمدرسة، لأن غالبيتهم أيضا من فاقدي البصر، وأكدت إحدى الأمهات تعرض أحدهم لهجوم من كلب ضال كان نائما في الشارع.

هل المدرسة تابعة لـ«التعليم» أم «التضامن»؟
وزارة التعليم، وفي اتصال هاتفي لـ جسور مع المسؤول الإعلامي، تنصلت الوزارة من الأمر باعتباره “خارج اختصاصها”، وقال في رد مقتضب له إن الأمر يخص وزارة التضامن.
عند التواصل مع مسؤول الإعلام بوزارة التضامن أكد أن المدرسة تقع تحت ولاية وزارة التضامن بالفعل، وقال إن الأمر يتم تدارسه، وسيتم اتخاذ مايلزم، من أجل الصالح العام وصالح التلاميذ.
ولم نحصل على رد ما إذا كان المبنى الملحق بالبوابة الرئيسية تم بيعه أو تأجيره لجهة أو صندوق ما، ومن ثم منعت المدرسة من استخدام البوابة الأصلية.
أولياء الأمور طالبوا بإعادة فتح البوابة الرئيسية للمدرسة، أو توفير بديل آمن، وعودة غرفة استراحة أولياء الأمور، وتحسين وسائل الأمان في الشارع الجانبي، وتوفير دروس برايل بأسعار رمزية، خاصة للثانوية العامة، حيث عبرت إحدى الأمهات عن غضبها من ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية بطريقة برايل.

إحدى الأمهات قالت إن الأمر لم يقتصر على غلق البوابة الرئيسية للمدرسة، وطالبت بإعادة صرف معاش «تكافل وكرامة» الذي أوقف الوزارة صرفه دون مبرر.
ووالدة الطفل عمر قالت إن المعاش الذي كان يُصرف له (700 جنيه شهريًا) توقف منذ أبريل الماضي، بدعوى امتلاك عمر لمشروع تجاري، رغم تقديم ما يثبت أن عمر أو والده لا يمتلكان أية مشاريع، ولكن دون استجابة.
يذكر أن الصحفية المصرية ريم محمود، المتخصصة في ملف التعليم، وثّقت احتجاج أولياء الأمور صباح اليوم، ونشرت مقطع فيديو على مواقع التواصل، لتتحول الواقعة لقضية رأي عام.