واشنطن- جسور- سماح ممدوح حسن
دوّى صوت لاتويا مادوكس، في 13 مايو الماضي، داخل قاعة لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي، وهي تصرخ من على كرسيها المتحرك: “لا لخفض ميديكيد!” كانت لاتويا تتقدم الصفوف، مع زملائها، في احتجاج صاخب ضد مشروع قانون جمهوري ضخم، لخفض الضرائب بقيمة 4.5 تريليون دولار، يتضمّن تقليصًا حادًا في تمويل برنامج التأمين الصحي الحكومي Medicaid، الذي تعتمد عليه ملايين الأسر الأمريكية، وعلى رأسها أسر ذوي الإعاقة.
لكن صرخة مادوكس لم تُقابل بالنقاش، بل بالطرد، حيث اقتادتها شرطة الكابيتول مع باقي المحتجين خارج القاعة.
تروي مادوكس الواقعة : “سمحوا لخمسة منا بالدخول، وما إن بدأنا بالهتاف، حتى اندفع عناصر الشرطة من خلف المشرّعين، وهددونا بالاعتقال إن لم نصمت، ولمّا واصلنا الهتاف، أمسكوا بكراسينا بعنف، أحدهم حاول دفع كرسِيّ دون أن يدرك أنه ليس في الوضع اليدوي، وكاد أن يُسقطني”.
لاتويا مادوكس، البالغة من العمر 41 عامًا، ليست مجرد ناشطة، هى أيضا أمٌ ومعيلة ومريضة بمرض خلقي نادر في المفاصل، إلى جانب إعاقات أخرى، وتحتاج إلى رعاية على مدار الساعة. ومع ذلك، فإنها لا تطالب فقط بحقها، بل تتحدث نيابة عن أكثر من 12 مليون أمريكي مهددين بفقدان تأمينهم الصحي.
تقول “لا أحصل على أي مساعدة حكومية غير ميديكيد. الدعم الذي يأتيني لا يغطي حتى دواء ابني، فكيف سأدفع أجور المساعدين الأربعة الذين أحتاج إليهم؟ وكيف سأدفع إيجار السكن أو أشتري طعامًا؟”
وتكمل في شرح معاناتها: “إذا تعطل كرسِيّ ولم أتمكن من إصلاحه، سأكون مضطرة لتحمّل التكلفة بنفسي. أحتاج إلى كرسٍ يمكنني من تغيير وضعيتي، ويمنحني حرية الحركة والاندماج الاجتماعي.”
الاحتجاج الأخير نظّمته حركة “الأمريكيون ذوي الإعاقة لبرامج المساعدة الآن American Disabled for Attendant Programs Today ، وهي واحدة من أقدم الحركات الحقوقية في أمريكا، يعود تاريخها إلى ثمانينيات القرن الماضي حين انطلقت من دنفر للمطالبة بمصاعد لحافلات النقل العام. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أيقونة للنضال الحقوقي، وكان أبرز تحركاتها ما عُرف ب”الزحف نحو الكابيتول”، حين صعد مئات المحتجين درجات مبنى الكونجرس بأجسادهم، في مشهد رمزي لمعاناتهم اليومية مع البنية التحتية غير المهيأة.
لكن طريق مادوكس نحو النضال لم يكن مباشرًا. ففي عام 2015 فقط، انضمت إلى ADAPT بعد سنوات من التردد والخوف، تؤكد”كنت خائفة من مواجهة الشرطة، ومن التعرض للدفع أو السحل. لكن كلما ازداد غضبي من النظام، شعرت أنه لم يعد أمامي خيار سوى المواجهة.”
وقبل ذلك، كانت قد بدأت العمل التطوعي مع مؤسسة تساعد نزلاء دور الرعاية على الانتقال إلى مساكن مجتمعية. وهناك، اكتشفت واقعًا صادمًا:”رأيت غرفًا غير نظيفة، حشرات، فئران، وقطط تحاول مطاردتها. كانت تجربة مرعبة دفعتني إلى الانخراط أكثر في هذا العمل.”
وفي عام 2017، تمددت بجسدها المريض أمام مكتب السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، احتجاجًا على مقترحات سابقة لتقليص ميديكيد، واليوم، ومع تمرير مجلس الشيوخ لمشروع قانون جديد، تتجه الأنظار إلى حكّام الولايات، الذين سيتحملون مسؤولية الحفاظ على التمويل المحلي.
وتضيف “الأسوأ قادم، وعلينا أن نعمل مع حكّامنا حتى لا تتأثر الخدمات المحلية. نحتاج إلى سد الفجوات في التمويل، كي لا يُجبر ذوي الإعاقة وكبار السن على مغادرة مجتمعاتهم إلى المؤسسات.”
لكن الطريق إلى الاحتجاج ليس مفروشًا بالميزانيات والموارد، وتستطرد: “نحن منظمة شعبية. لا نملك ميزانية لإحضار 30 شخصًا إلى واشنطن فجراً. كل شيء يحتاج إلى موارد، ويجب أن نضمن أن يكون لكل خطوة تأثير أكبر من الخطوة السابقة.”
وفي خضم هذا النضال، لا تنسى مادوكس أنها أمّ قبل أي شيء، وتحكى:”ماذا سيحدث لابني إذا اعتقلت؟ لا يمكنه البقاء مع والده إلا لبضعة أيام، أحيانًا أضطر للمخاطرة بحريتي، رغم علمي أني ربما لن أعود إلى المنزل.”
هي تعيش اليوم في مبنى مدعوم من الدولة، لكنها تنفق أغلب دخلها على الإيجار، وإذا فُقد ميديكيد، فإنها تخشى أن تكون بين أول الأسماء المعاد إدخالها إلى مؤسسات الرعاية.
وتوضح مادوكس موقف ADAPT من تلك المؤسسات بقولها: “نحن لا نرفض وجود مؤسسات، لكن نؤمن بحق الاختيار، نريد أن نعيش في المجتمع، ويكون خيار المؤسسة متاحًا لا مفروضًا. إذا أراد شخص أن يتحمل المخاطر ويعيش باستقلال، يجب أن يُسمح له بذلك.”
وتختتم حديثها بواقعية لا تخلو من ألم: “لا نبالغ عندما نقول إن البعض قد يفقد حياته، ففقدان الدواء أو الدعم يمكن أن يودي بأحدهم إلى كارثة، فقط أعطونا الفرصة لنعيش مثل الجميع.”