معلم هندي يفتح نوافذ النور لفتاتين كفيفتين

معلم هندي يفتح نوافذ النور لفتاتين كفيفتين

المحرر: سماح ممدوح حسن-الهند

في قرية نائية تُدعى «ماثيندو» بمنطقة لارنـو في إقليم أنانتناج الهندي، وُلدت الشقيقتان خُشبو ومهفِش وهما كفيفتان منذ الولادة. لكن رغم ظلام البصر الذي لازم حياتهما، فإن نورهما الداخلي أضاء طريقهما نحو التميز، لتصبح قصتهما اليوم رمزًا حقيقيًا للإرادة التي تتجاوز كل العوائق.

وبحسب صحيفة كاشمير أوبزرفر kashmirobserver. لم تكن البيئة المحيطة بهما مشجعة في البداية، فالمجتمعات الريفية كثيرًا ما تنظر إلى الإعاقة بعين الشفقة أو الوصمة.

لكن الوعي الاجتماعي في الهند بدأ يتغير خلال السنوات الأخيرة، إذ حلّ «النموذج الاجتماعي للإعاقة» محلّ النظرة القدرية القديمة، مؤكدًا أن الإعاقة لا تنبع من القصور الجسدي بل من الحواجز التي يفرضها المجتمع. هذا التحول التدريجي جعل قصص النجاح أكثر حضورًا، وكانت قصة الأختين أبرز مثال على ذلك.

بدأت رحلتهما في عام 2016، حين شاهدهما أحد المعلمين أثناء ذهابه إلى عمله في مدرسة حكومية قريبة. كانتا تسيران بخطوات مترددة بصحبة جدتهما التي تخشى تركهما وحدهما.

أثار المشهد في نفسه تساؤلات كثيرة عن مصير الطفلتين، وكيف يمكن أن تواجهان الحياة في ظل غياب الدعم الكافي. وبمجرد أن علم أن الفتاتين كفيفتان منذ الولادة، شعر بمسؤولية أخلاقية تجاههما، خصوصًا أنه كان قد حضر حديثًا دورة تدريبية حول التعليم الدامج للأطفال ذوي الإعاقة البصرية.

قرر المعلم أن يزور الأسرة ويقنع الوالدين بضرورة تعليم الطفلتين في المنزل أولاً. وبعد جلسة مطولة مع العائلة، بدأ يوميًا بزيارتهما بعد انتهاء عمله، ليعلمهما مهارات الحياة الأساسية إلى جانب القراءة والكتابة بطريقة برايل.

شيئًا فشيئًا، بدأت الفتاتان تكتسبان الثقة بأنفسهما، وتحفظان الحروف والكلمات بلمس أصابعهما الصغيرتين لتفهمان العالم بطريقة مختلفة.

مع مرور السنوات، توسعت مدارك الأختين، وأصبحتا قادرتين على استخدام الهاتف الذكي لتسجيل الدروس وسماعها مرارًا. لم يقتصر الأمر على الجانب الأكاديمي، بل شجع المعلم الأسرة على إشراكهما في الأنشطة الفنية والموسيقية. وبالفعل، لمع اسمهما في مسابقات مدرسية ومناطقية، ما منح المجتمع المحيط بهما درسًا حيًا في معنى الدمج الحقيقي.

عندما اجتازتا الصف العاشر بتفوق، لم يكن ذلك إنجازًا شخصيًا فحسب، بل رسالة واضحة بأن فقدان البصر لا يعني فقدان الرؤية. فالإصرار والإيمان بالقدرات يمكن أن يعيدا تعريف النجاح.

وفي عام 2024، حصدت الشقيقتان درجات متميزة في امتحانات المرحلة الثانوية، وسط فخر كبير من الأسرة والمعلمين وسكان القرية.

قصة خشبو ومهفش تعكس التحول الاجتماعي العميق في فهم الإعاقة، إذ لم تعد تُرى كعجز أو عبء، بل كجزء من التنوع الإنساني الذي يستحق الاحترام والاحتواء.

كما تبرز أهمية المعلم القدوة الذي يتجاوز حدود المنهج، ليصبح جسرًا بين الإمكانات والطموح. فبدون مبادرته وشغفه، ربما بقيت الفتاتان حبيستين لعزلة دائمة.

اليوم، يواصل المعلم دعمه لهما، وهما تخططان للالتحاق بالجامعة لدراسة الأدب والموسيقى. وتتحدثان بثقة عن أحلامهما في أن تصبحا نموذجًا يحتذى، ومصدر إلهام لكل من يعتقد أن الإعاقة نهاية الطريق.

تقول إحداهما: «نحن لا نرى بعينينا، لكننا نبصر بقلوبنا، ونعرف أن المستقبل لا يصنعه البصر، بل الإصرار»

إن قصة الأختين ليست مجرد حكاية نجاح فردي، بل دعوة مفتوحة لإعادة النظر في مفهوم التعليم الدامج، ولتقدير دور المعلمين الذين يؤمنون بقدرات طلابهم مهما كانت التحديات. فالتعليم حين يقترن بالرحمة والالتزام، يصبح طريقًا لتحرير الإنسان من قيوده لا تلقينه المهارات فقط.

ومن قلب هذه التجربة، تتجلى أهمية دعم الحكومات والمؤسسات التعليمية في تبني سياسات تضمن وصول التكنولوجيا المساعدة إلى جميع الطلاب المكفوفين، وتدريب المعلمين على أساليب التعليم الدامج.

فنجاح مثل هذه المبادرات لا يغير حياة الأفراد فحسب، بل يسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافًا. لقد أثبتت خشبو ومهفش أن الرؤية الحقيقية لا تحتاج إلى عينين، بل إلى إيمان عميق بأن كل إنسان قادر على النهوض إذا وجد من يمد له يد العون.

ومن قرية صغيرة في أقصى الجنوب الهندي، انطلقت قصتهما لتضيء العالم برسالة خالدة: أن البصر نعمة، لكن البصيرة أعظم النعم جميعًا.

وهكذا تبقى قصة الأختين مثالًا خالدًا على أن التعليم الدامج ليس ترفًا، بل ضرورة لبناء مستقبل يتسع للجميع. فحين تُمنح الفرصة والدعم، تتحول الإعاقة إلى طاقة قادرة على الإلهام، وتصبح المعرفة جسرًا نحو حياة مليئة بالكرامة والضوء الداخلي الذي لا ينطفئ

المقالة السابقة
بـ«محفوظ وصلاح».. «طالب من ذوي الإعاقة بالإسكندرية يتألق في « عظماء من مصر»
المقالة التالية
بعد تعيينه في مجلس الشيوخ.. من هو القبطان ولاء حافظ صوت الإرادة المصرية؟

وسوم

أمثال الحويلة (480) إعلان عمان برلين (561) اتفاقية الإعاقة (717) الإعاقة (160) الاستدامة (1215) التحالف الدولي للإعاقة (1187) التشريعات الوطنية (959) التعاون العربي (629) التعليم (97) التعليم الدامج (69) التمكين الاقتصادي (103) التنمية الاجتماعية (1206) التنمية المستدامة. (101) التوظيف (75) التوظيف الدامج (929) الدامج (68) الدمج الاجتماعي (739) الدمج المجتمعي (180) الذكاء الاصطناعي (98) العدالة الاجتماعية (84) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (613) الكويت (107) المجتمع المدني (1182) الولايات المتحدة (71) تكافؤ الفرص (1176) تمكين (101) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (619) حقوق الإنسان (89) حقوق ذوي الإعاقة (105) دليل الكويت للإعاقة 2025 (462) ذوو الإعاقة (175) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1130) ذوي الإعاقة (597) ذوي الهمم (66) ريادة الأعمال (494) سياسات الدمج (1160) شركاء لتوظيفهم (483) قمة الدوحة 2025 (747) كود البناء (547) لغة الإشارة (81) مؤتمر الأمم المتحدة (440) مجتمع شامل (1171) مدرب لغة الإشارة (740) مصر (130) منظمة الصحة العالمية (765)