نيويورك – جسور
أعلنت منظمة الصحة العالمية، بالشراكة مع عدد من الحكومات والمنظمات الدولية، عن الإطلاق الرسمي للمبادرة العالمية للعدالة الصحية لذوي الإعاقة، وذلك خلال فعالية رفيعة المستوى عُقدت على هامش مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (COSP18) بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
جاءت المبادرة استجابةً لفجوة كبيرة وغير مبررة في الخدمات الصحية التي يحصل عليها الأشخاص ذوو الإعاقة مقارنة بغيرهم، رغم التقدم العالمي في مجالات الصحة العامة. وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك أكثر من 1.3 مليار شخص حول العالم، أي ما يعادل سدس سكان الأرض، يعانون من شكل من أشكال الإعاقة، ويواجهون تحديات صحية جذرية تشمل انخفاض جودة الرعاية، وتأخر التشخيص، وارتفاع معدلات الوفاة المبكرة، غالبًا بسبب معوقات يمكن تفاديها.
أهداف المبادرة
تهدف المبادرة الجديدة إلى تعزيز العدالة الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال بناء نظم صحية دامجة، تستجيب للاحتياجات المتنوعة لهذه الفئة، وتدمجهم بشكل حقيقي في تصميم السياسات الصحية وتنفيذها ومتابعتها.
وتركز المبادرة على أربعة محاور أساسية:
1- التمكين والقيادة: دعم منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيز مشاركتهم الفعلية في صناعة القرار الصحي.
2- الأولوية السياسية: وضع قضية العدالة الصحية لذوي الإعاقة ضمن أولويات الحكومات والمؤسسات الصحية.
3- نُظم صحية دامجة ومُمكنة: تطوير بنية صحية تضمن الوصول المتكافئ للخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية.
4- البيانات والمعرفة: تحسين آليات جمع وتحليل البيانات حول الإعاقة والصحة، وبناء قاعدة معرفية تدعم السياسات المستندة إلى الأدلة.
شركاء دوليون ودعم سياسي
حظيت المبادرة بدعم سياسي ودبلوماسي من حكومات أستراليا، وألمانيا، والنرويج، والسويد، التي شاركت عبر وزرائها وممثليها الرسميين، كما شاركت منظمات دولية مؤثرة مثل “التحالف الدولي للإعاقة”، و”أولمبياد الخاص”، ومنظمة “SightSavers”، والتحالف الدولي للإعاقة والتنمية (IDDC).
وأكدت الجهات الداعمة أن هذه المبادرة تعد التزامًا أخلاقيًا وإنسانيًا، وضرورة سياسية وصحية لتعزيز استجابة الأنظمة الصحية للاحتياجات المتنوعة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الثالث المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه.
فعالية الإطلاق
عُقدت فعالية الإطلاق في قاعة المؤتمرات بالأمم المتحدة بحضور ممثلي الدول والمنظمات الشريكة وخبراء الصحة والإعاقة، كما أُتيح البث المباشر عبر منصة “UN Web TV” مع توفير الترجمة بلغة الإشارة الدولية والعناوين المكتوبة، تعزيزًا لنهج الشمول والتمثيل.
خلال الفعالية، عُرضت شهادات حية لأشخاص من ذوي الإعاقة حول التحديات الصحية التي يواجهونها في مجتمعاتهم، وجرى استعراض خطة العمل الأولية للمبادرة، التي تتضمن تكوين شبكة من أصحاب المصلحة (stakeholder network) لدعم تنفيذ الأهداف وتبادل الممارسات الجيدة بين الدول.
ومن المنتظر أن تُفتح العضوية في هذه الشبكة أمام المؤسسات والخبراء من مختلف أنحاء العالم بدءًا من أغسطس 2025.
نحو سياسات صحية أكثر عدلًا
صرحت د. تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بأن “العدالة الصحية لا تتحقق إلا عندما يحصل كل شخص، بغض النظر عن قدراته، على فرص متساوية في الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة والآمنة”.
وأضاف أن المبادرة العالمية تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز هذا المفهوم، والعمل على إزالة الحواجز التشريعية والبنيوية والسلوكية التي تعيق دمج ذوي الإعاقة في الأنظمة الصحية.
أهمية المبادرة عربيًا
من المتوقع أن تسهم المبادرة في تحفيز الدول العربية على مراجعة سياساتها الصحية الخاصة بذوي الإعاقة، خاصةً في ظل التحديات المرتبطة بالبيئة الطبية، ونقص الكوادر المتخصصة، وضعف البيانات الدقيقة حول أوضاعهم الصحية.
وتُعد المبادرة فرصة للدول العربية لتبني نماذج أكثر شمولًا، قائمة على التمكين والشراكة مع منظمات الإعاقة المحلية، وتحسين آليات التمويل والبنية التحتية للرعاية الصحية.
وأخيرا.. تمثل المبادرة العالمية للعدالة الصحية لذوي الإعاقة لحظة فاصلة في مسار الاعتراف بالحق الكامل في الصحة، وترسيخ مبدأ أن الإعاقة لا تعني الهشاشة، بل تستوجب تمكينًا وإدماجًا وسياسات عادلة.. وبمشاركة دولية واسعة، تصبح الطريق ممهدة لتغيير حقيقي، يجعل من الصحة حقًا مشتركًا، لا امتيازًا قاصرًا.