من بيتهوفن للقميص الذكي.. العلم والتكنولوجيا يعيدان تعريف الموسيقى لمجتمع الصم

من بيتهوفن للقميص الذكي.. العلم والتكنولوجيا يعيدان تعريف الموسيقى لمجتمع الصم

المحرر: محمود الغول - مصر
مصابون بالصمم يستمتعون بعرض موسيقي

في قلب مهرجان موسيقي صاخب، يقف شخص لا يسمع الأصوات بالطريقة التقليدية، لكنه يشعر بها على جسده فمثلا الكمنجات ترتسم كوشم من الاهتزازات على ذراعيه، والطبول تنبض عبر ظهره، وصوت الجمهور يتسلل كطاقة دافئة عبر جسده.

هذه ليست رواية خيالية، بل واقع ممكن اليوم بفضل تقنية «البدلة اللمسية» التي تحول الموجات الصوتية إلى إشارات يفهمها الجلد.

وفق تقرير نشره موقع شركة الاتصالات العالمية فودافون على الإنترنت تناول تجربة بدلات Haptic Suits في مهرجان موسيقي بلندن، حيث تمكن المشاركون الصم من «سماع» الموسيقى عبر الاهتزازات.

هذا المشهد يتحدى الفرضية الشائعة بأن مجتمع الصم يعيش في عالم من الصمت، محروما من جمال الموسيقى وتعقيدها، فالموسيقى في حقيقتها هي اهتزاز منظم، طاقة تتحرك عبر الفضاء، فهل الأذن هي بوابة التجربة الوحيدة؟

علم الشعور بالموسيقى
لفهم كيف يمكن إدراك الموسيقى بدون سمع تقليدي، يجب أولا إعادة النظر في مكوناتها الأساسية وأبرزها الاهتزازات.

فكل صوت في جوهره اهتزاز والجلد الذي يعد أكبر عضو في الجسم حساس بشكل خاص للاهتزازات منخفضة التردد، و هذه الحساسية تشكل أساس ما يسمى بـ«الإدراك الاهتزازي اللمسي»، أي قدرة الإنسان على إحساس الصوت من خلال اللمس.

توضح أبحاث منشورة في مجلة «Kids Frontiers » وهي علمية مفتوحة المصدر يكتبها علماء ويتم مراجعتها من قبل لجنة من الأطفال والمراهقين، أن التحفيز الاهتزازي لا ينقل الإيقاع فقط، بل يمكن أن ينقل معلومات دقيقة عن طبقة الصوت أو جرسه الموسيقي، ما يجعله قناة غنية لتجربة الموسيقى.

 

 

 

تمثال للموسيقي لودفيج فان بيتهوفن
تمثال للموسيقي لودفيج فان بيتهوفن

كما أن الجسم يمتلك آلية طبيعية أخرى لنقل الصوت تعرف بـ«التوصيل العظمي»، وهي انتقال الاهتزاز مباشرة إلى الأذن الداخلية عبر عظام الجمجمة.

والمثال الأبرز على هذه الظاهرة هو المؤلف الموسيقي لودفيغ فان بيتهوفن، الذي رغم فقدانه السمع، كان يشعر بالموسيقى من خلال الاهتزازات في الفك والجمجمة، بحسب موقع uk.shokz   في تقرير حول كيفية تأليف بيتهوفن لموسيقاه بعد إصابته بالصمم.

المرونة العصبية والاستماع اللمسي
العامل الأكثر أهمية في تجربة الموسيقى دون سمع هو قدرة الدماغ على التكيف، وهو ما يعرف بـ«اللدونة العصبية» والتي تعني قدرة الدماغ على إعادة ضبط نفسه وهيكلة وظائفه.

فعندما يفقد الإنسان إحدى حواسه يعيد الدماغ تنظيم نفسه، لتعاد توظيف المناطق غير المستخدمة في تعزيز الحواس الأخرى.

وحسب دراسات تصوير عصبي منشورة في open.uct  فإن القشرة السمعية لدى الأشخاص الصم يمكن أن تعاد برمجتها لمعالجة مدخلات من الحواس الأخرى مثل اللمس والبصر.

وبذلك، حين يشعر شخص أصم بالموسيقى عبر بدلة لمسية، تنتقل الاهتزازات إلى القشرة السمعية نفسها، أي أن الدماغ لا يعوض فقط، بل يعيد استخدام بنيته السمعية لتفسير اللمس.

هذا ما تصفه الموسيقية البريطانية إيفلين جليني بـ«الاستماع الجسدي»، أي أن الجسد كله يتحول إلى أداة سمع، وفق ما ذكرته في مقابلة مع openculture التي سلطت الضوء على طريقتها في الشعور بالإيقاع من خلال القدمين والأرض.

طالع: ولاية سودانية تعفى الطلاب الصم من الرسوم الدراسية

مع تطور الفهم العلمي للإدراك غير السمعي، ظهرت موجة من الابتكارات التقنية التي تهدف إلى جعل الموسيقى متاحة للجميع.

فبدلا من محاولة «إصلاح» الأذن، تسعى هذه التقنيات إلى تحويل الموسيقى إلى لغة يفهمها الجلد.

من أبرز الابتكارات في هذا المجال القميص الذكي SoundShirt الذي طورته شركة Cutecircuit، وهو قميص مزود ب28 مشغلا دقيقا يترجم الموسيقى إلى اهتزازات حقيقية على أجزاء مختلفة من الجسم في الوقت الفعلي.

نظام Music: Not Impossible الذي عرضته شركة NotImpossible، ويحول الأصوات إلى اهتزازات دقيقة متعددة الألحان عبر ثماني مناطق في الجسم، ما يتيح تجربة موسيقية كاملة دون الاعتماد على الأذن.

تجربة Vodafone 5G Haptic Suits التي دمجت التكنولوجيا اللمسية بشبكة الجيل الخامس، لتتيح لمستخدمين صم الإحساس بالموسيقى مباشرة أثناء الحفلات.

عازفة الإيقاع الصماء إيفلين جلينى
عازفة الإيقاع الصماء إيفلين جلينى

قصص من الواقع: بيتهوفن وإيفلين جليني
الحديث عن الموسيقى دون سمع لا يكتمل دون التوقف عند رمزين كبيرين:

الأول بيتهوفن، الذي واصل التأليف بعد أن فقد سمعه بالكامل، معتمدا على إحساسه بالاهتزازات عبر التوصيل العظمي، كما ذكرت open.uct.

والثانية إيفلين جليني، عازفة الإيقاع الأسكتلندية التي فقدت سمعها في الطفولة لكنها أصبحت من أعظم الموسيقيين في العالم.

تؤدي جليني عروضها حافية القدمين لتشعر بالاهتزازات الدقيقة من خلال الأرض، وتستخدم جسدها كغرفة رنين، بحسب موقع ukdhm  الذي وصفها بأنها «عازفة الإيقاع التي تسمع بجسدها».

كما أن تجارب موسيقيين آخرين مثل شون فوربس، مغني الراب الأصم الذي يعتمد على الإيقاع القوي للهيب هوب، وماندي هارفي، المغنية التي فقدت سمعها لكنها تعلمت الغناء مجددا بالاعتماد على إحساسها الجسدي بالموسيقى، تؤكد أن الصوت يمكن أن يشعر به بطرق متعددة.

التعليم والمستقبل متعدد الحواس
تشير أبحاث منشورة في مواقع أكاديمية مثل frontiersin.org إلى أن تعليم الأطفال الصم عبر الموسيقى يسهم في تحسين مهارات التواصل وتنظيم العواطف وبناء العلاقات الاجتماعية، فالإيقاع والبنية المتكررة في الموسيقى يقدمان إطارا فعالا لاكتساب اللغة.

وتقود منظمات مثل CymaSpace جهودا عالمية لجعل الأماكن الموسيقية متعددة الحواس، عبر استخدام الإضاءة التفاعلية والأثاث الاهتزازي لتحويل الحفلات إلى تجارب بصرية ولمسية غامرة.

أما المستقبل، فيبدو أكثر شمولا، إذ يتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في تحويل الموسيقى إلى تجارب حسية مخصصة تترجم الأصوات إلى اهتزازات ولمسات وإشارات ضوئية تناسب كل مستخدم.

وفي النهاية، فإن الجهود المبذولة اليوم لتقريب الموسيقى من مجتمع الصم لا تخدمهم وحدهم، بل توسع تعريف الموسيقى ذاته. فالموسيقى، كما يبدو، ليست ما نسمعه فقط، بل أيضا ما نشعر به. 

المقالة السابقة
السعودية تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول إعاقات رواد الفضاء في نوفمبر المقبل
المقالة التالية
اضطرابات النطق واللغة… «التلعثم»تحدٍ خفي يهدد أطفال سوريا

وسوم

أمثال الحويلة (514) إعلان عمان برلين (594) اتفاقية الإعاقة (751) الإعاقة (163) الاستدامة (1250) التحالف الدولي للإعاقة (1221) التشريعات الوطنية (993) التعاون العربي (663) التعليم (101) التعليم الدامج (72) التمكين الاقتصادي (104) التنمية الاجتماعية (1240) التنمية المستدامة. (106) التوظيف (77) التوظيف الدامج (962) الدامج (69) الدمج الاجتماعي (774) الدمج المجتمعي (187) الذكاء الاصطناعي (102) العدالة الاجتماعية (86) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (647) الكويت (109) المجتمع المدني (1216) الولايات المتحدة (72) تكافؤ الفرص (1210) تمكين (105) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (652) حقوق الإنسان (95) حقوق ذوي الإعاقة (106) دليل الكويت للإعاقة 2025 (496) ذوو الإعاقة (180) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1164) ذوي الإعاقة (627) ذوي الهمم (69) ريادة الأعمال (531) سياسات الدمج (1195) شركاء لتوظيفهم (518) قمة الدوحة 2025 (781) كود البناء (581) لغة الإشارة (87) مؤتمر الأمم المتحدة (475) مجتمع شامل (1206) مدرب لغة الإشارة (775) مصر (152) منظمة الصحة العالمية (800)