داخل غرفة صغيرة في مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، تفوح منها رائحة الموت، جمعت شظايا قنابل جيش الاحتلال بين الطفلتين ميرا أحمد وميس عبدالعال، بعدما كانتا جارتين في مخيم للنزوح تعانين من الجوع والخوف، اليوم لم تعد الجيرة كما كانت؛ فالحرب التي هدمت البيوت وشردت الأبرياء، وحاصرت المرضي، وحدت مصيرهما على سرير الألم، قبل أن ترحل ميس وتبقى ميرا تصارع المصير المجهول.
تعرضت ميرا وميس لإصابات بالغة في الرأس والجسد نتيجة القصف الهمجي لجيش الاحتلال، دخلا على إثرها في غيبوبة طويلة، تخللتها تشنجات حادة، بسبب الالتهابات الدماغية وتزايد الصديد في الجروح، وسط نقص حاد في الأدوية والعلاج.
في مستشفى يعاني من ضعف الإمكانيات، خرج تقريبا من الخدمة، وسط حصار بشع وتجويع مستمر لأهالي القطاع، انتظر الأطباء أن تتحسن حالتهما، لكن ميس فارقت الحياة متأثرة بإصاباتها، بينما لا تزال ميرا تصارع المرض والموت وحيدة بعد أن استسلمت أسرتها للأمر الواقع، لكن رجائهم في الله لم ينقطع.

رحلت ميس بصمت موجع، بعد أن تأخر سفرها لتلقي العلاج في الخارج، رحلت وهي تستغيث وتناشد كل من يملك ضمير حي، لكن صوتها وصل متأخرًا، فقد سبقالموت العزل.
تقول والدة ميرا لـ “ جسور ” بصوت يختلط فيه الرجاء بالألم: “ميرا أُصيبت أثناء قصف بجوار خيمتنا، الشظايا اخترقت رأسها، وكسرت الجمجة، ومنذ ذلك اليوم فقدت النطق تمامًا وأصابها شلل نصفي، وتدخل نوبات مستمرة من التشنجات، وحالة الجروج في رأسها تسوء يوما بعد يوم بسبب نقص الأدوية.
وتستكمل الأم عباراتها الموجعة :”ميرا تحتاج للسفر إلى الخارج في أسرع وقت، كل يوم حالتها تسوء أكتر، حتى لا تلقى مصير ميس صديقتها وجارتها في الخيمة، وجارتها أيضا في غرفة العلاج التي رحلت قبل أن تحصل على جرعة علاج تنقذ روحها، بعد ما تأخر سفرها، رحلت وهي تستغيث وتناشد، لكن الموت سبق صوتها.