يواجه ذوي الإعاقة صعوبات كبيرة تجعل فكرة السفر حلمًا مليئًا بالتحديات والمتاعب، بدلًا من أن يكون تجربة ممتعة لا تُنسى، في عالمٍ تتسارع فيه خطوات صناعة السياحة الميسرة نحو الحداثة والانفتاح.
هذه الفجوة بين شعارات حملات الدعاية والواقع كانت محور كلمة الناشطة البريطانية صوفي مورجان، خلال مشاركتها في سلسلةIcons of Inclusion التي أطلقتها مجلة OutThere لمناقشة مستقبل السفر الشامل والمساواة في القطاع السياحي والثقافي، أو ما يسمى بالسياحة الميسرة.

تعتبر مورجان واحدة من أبرز الأصوات المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة في العالم. وقد أصيبت بالشلل النصفي إثر حادث سير وهي في الثامنة عشرة من عمرها، لكنها رفضت أن تكون الإعاقة نهاية الطريق.
انطلقت في مسيرتها كمقدمة برامج في هيئة الإذاعة البريطانية BBC ثم أصبحت وجهًا معروفًا في الإعلام البريطاني والعالمي، وسفيرة لعدد من الحملات الدولية التي تسعى لتمكين ذوي الإعاقة في مجالات الحياة العامة، من الرياضة إلى السفر إلى الفن والثقافة.
في كلمتها الأخيرة ضمن فعالية OutThere، شددت مورجان على أن «عالم السياحية ما زال مصممًا لأجساد محددة، وكأننا غير مرئيين فى هذا العالم».
ورغم التقدم الملحوظ في الخطاب العام حول مفهوم«السياحة الميسرة»، إلا أن التطبيق العملي لا يزال متأخرًا، فالفنادق الكبرى كثيرًا ما تفتقر إلى غرف مجهزة فعلًا والمطارات لا توفّر المساعدة الكافية وحتى المواقع السياحية تظل بعيدة المنال لمن يستخدمون الكراسي المتحركة أو يحتاجون إلى ترتيبات خاصة.
وأكدت مورجان فى كلمتها أن المسألة لم تعد مسألة وعي أو نوايا حسنة بل مسألة تنفيذ وعدالة، فالكثير من الجهات السياحية تتحدث عن الشمولية في شعاراتها لكنها لا تضع سياسات واضحة أو تدريبًا فعالًا للعاملين، لضمان حق المسافرين ذوي الإعاقة في تجربة متكاملة وآمنة.
وأكدت مورجان في كلمتها التي لاقت صدى واسعًا بين الحضور:«السفر ليس امتيازًا بل حق إنساني أساسي، نحن نستحق أن نرى العالم مثل غيرنا».
الفعالية التي تحدثت فيها مورجان جمعت عددًا من الخبراء والمبدعين في مجالات السياحة والفن والثقافة. وناقشت سبل تحويل الشمولية من مفهوم دعائي إلى ممارسة واقعية.
وقد سلطت الجلسة الضوء على قصص من بلدان مختلفة أثبتت أن الدمج الحقيقي يبدأ من التصميم الشامل، أي التفكير في احتياجات الجميع منذ مرحلة التخطيط المعماري أو السياحي، وليس بعد التنفيذ.
التكنولوجيا وتمكين المسافرين
أيضا تحدثت مورجان بشغف عن أهمية التكنولوجيا في تمكين المسافرين من ذوي الإعاقة، مشيرة إلى أن تطبيقات الخرائط الذكية وأدوات الذكاء الاصطناعي باتت تتيح إمكانيات مذهلة لتخطيط الرحلات، وتحديد المسارات الآمنة، وحتى التعرف على المرافق القابلة للوصول في الوقت الفعلي.
لكنها حذّرت من الاعتماد على الحلول التقنية فقط دون تغيير البنية الذهنية للمجتمع السياحي، مؤكدة أن «أعظم تكنولوجيا في العالم لا تنفع إذا لم تُبْنَ على قيم المساواة»
ومع ذلك لم تُخفِ مورجان استياءها من الصورة النمطية التي تقدم ذوي الإعاقة في الإعلام كأبطال خارقين يتغلبون على المستحيل.
وتضيف:«لسنا بحاجة إلى أن نكون أبطالًا لتستحق حياتنا الاحترام، نحتاج فقط إلى العدالة» فالإعجاب المفرط، في رأيها، يُخفي وراءه نوعًا من التمييز غير المرئي الذي يضع ذوي الإعاقة في خانة «الاستثناء» بدلًا من كونهم جزءًا طبيعيًا من التنوع الإنساني.
وعن تجربتها الشخصية في السفر تحدثت مورجان بصراحة عن الصعوبات التي تواجهها في كل رحلة، فرغم شغفها الشديد باكتشاف العالم، إلا أن القلق يرافقها دائمًا: هل الفندق مجهز فعلًا؟ هل المطار سيسمح بالمرور بسلاسة؟ هل سيعاملها موظفو الطيران بكرامة؟ ومع ذلك، تؤمن أن مشاركة مثل هذه القصص تخلق وعيًا حقيقيًا وتدفع نحو التغيير، لأن الإصلاح يبدأ دائمًا من تجربة فردية تُحرّك التعاطف والفعل الجماعي.
واختُتمت الجلسة بتوصيات عملية دعت فيها مورجان والضيوف إلى تعاون أوسع بين الحكومات وشركات السياحة والمجتمع المدني لتطبيق معايير واضحة للسياحة الميسّرة.
كما شددوا على أهمية إدراج مفهوم «التصميم الشامل» في مناهج كليات السياحة والفنادق، بحيث يصبح جزءًا من ثقافة الجيل القادم من العاملين في هذا القطاع الحيوي.
إن رسالة صوفي مورجان تتجاوز حدود السفر لتطرح سؤالًا إنسانيًا أعمق، هل يمكن لعالمنا أن يُصمَّم بحيث لا يُقصي أحدًا؟ فالسياحة في جوهرها ليست مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل اختبارٌ لعلاقتنا بالآخر المختلف.
وإذا أردنا عالمًا أكثر عدالة ورحمة، فعلينا أن نبدأ من التفاصيل الصغيرة، من الممرات المجهزة ومن الأبواب المفتوحة ومن الرحلات التي لا تفرّق بين جسدٍ وآخر.