«نور» تنتظر بتر آخر أطرافها و«ناهض» رحل بلا علاج.. من ينقذ أطفال غزة؟

«نور» تنتظر بتر آخر أطرافها و«ناهض» رحل بلا علاج.. من ينقذ أطفال غزة؟

المحرر: ماهر أبو رماد - غزة

في غزة، نزيف الدم لا يتوقف، والألم أصبح بديلا للطعام والدواء، أطفال في سن الزهور يرحلون بإصابات وأمراض تفوق قدرتهم على الاحتمال، وسعيد الحظ بينهم يعيش عاجزا، بعد أن بترت أطرافه فى هجوم غادر للعدو، أو في محاولة أخيرة من الأطباء لإنقاذ ما تبقى من أرواحهم وبرائتهم.

وهنا نتحدث عن مأساة الطفلة نور فرج (10 سنوات) والطفل ناهض درويش (12 عامًا) فصلين جديدين من الكارثة الإنسانية التي يعيشها أطفال القطاع المحاصر تحت وطأة حرب غاشمة.

تواجه نور  خطر الموت بعد أن فقدت ثلاثة من أطرافها، وبات الرابع مهددًا بالبتر، بينما رحل ناهض بعد صراع مرير مع إصابة قاتلة لم يجد لها علاجًا، ليمثل كل منهما شاهدًا  على ثمن البراءة حين تُترك وحيدة في وجه دبابة أو قاذفة، فتدفع مرغمة ثمنا غاليا في سبيل البقاء على تراب الوطن.

نور.. طفلة بعينين عسليتين وجسد ينزف

نور لم تكن سوى طفلة تحلم بدميتها وكرّاسة ألوانها وتوفير شعرها المنسدل، لكنها اليوم تخوض معركة ضد الموت في أقسى صورة له؛ بعدما فقدت ساقيها من فوق الركبة، وذراعها، جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها.

الطفلة نور فرج
الطفلة نور فرج تفقد ثلاثة من أطرافها

ما تبقى من أطرافها يتآكل بفعل التقرحات والالتهابات الخطيرة التي تنهش جسدها النحيل، فيما الشظايا لا تزال مغروسة في جسدها الهزيل، تزيد آلامها يوماً بعد يوم.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أصيب جميع أفراد أسرة الطفلة نور بجروح خطيرة، ليتحول بيتهم إلى عنبر للحجر الصحي، ألم وصراخ ودعوات تصل للسماء لكنها لا تصل للبشر، وتحولت حياتهم إلى نزيف بطيء، لا يسمعه أحد، لأن المستشفيات اصبحت خارج الخدمة والعلاج كأنه لم يتم اختراعه بعد.

نور اليوم لا تواجه فقط خطر الإعاقة الدائمة، بل شبح الموت في أي لحظة، بينما ينظر العالم بصمت إلى مأساة طفلة تحترق أحلامها بعد قضم المحتل أطرافها.

ناهض.. رحل قبل أن يسمعه أحد

لم ينتظر طويلا، وكأنه يدرك عدم جدوى الانتظار والمناشدة، كان رجلا، تحمل آلامه قدر استطاعته، وبينما يتداول نشطاء صورته مطالبين باغاثته، كان الطفل ناهض درويش يودع الحياة.

ناهض درويش حمل جراحه ورجل

أصيب ناهض برصاصة متفجرة مزقت كبده وكليته اليمنى وأصابت نخاعه الشوكي، ففقد القدرة على الحركة، ومع مرور الأيام، تدهورت حالته الصحية بفعل سوء التغذية ونقص الأدوية، حتى أصيب بخراج دماغي خطير، تسبب له بشلل مضاعف، لم يُسمح له بالسفر لتلقي العلاج في الخارج، فاستسلم جسده المنهك والمستباح للوجع، ليرحل بعد ساعات من توثيق مناشدته الأخيرة.

رحيل ناهض يلخص معاناة مئات الأطفال في غزة الذين يموتون كل يوم ببطء مميت، لا بسبب القصف فقط، بل بسبب الحصار الطبي ومنعهم من العلاج، لتتحول حياتهم إلى سلسلة طويلة من الألم تنتهي غالبًا بفقدانهم في عمر الزهور.

مأساة الطفلة نور، والصبي ناهض، وثقتها عدسة الصحفي الفلسطيني عمرو طبش، والذي نشر  كافة تفاصيلها، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك.

غزة.. مأساة بلا أفق

قصة نور وناهض ليست سوى مرآة قاتمة للوضع الكارثي الذي يعيشه أطفال قطاع غزة، مع استمرار الحرب والحصار، تتهاوى المنظومة الصحية في القطاع تحت ضغط آلاف الجرحى والمرضى، فيما يمنع الاحتلال وصول المعدات الطبية والأدوية والأجهزة التعويضة من عبور المعابر والحواجز.

تقارير المنظمات الدولية، وعلى رأسها يونيسيف ومنظمة الصحة العالمية تحذر من أن الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة هم الأكثر هشاشة في هذه الظروف التى يعيشها القطاع منذ بدء العدوان، إذ لا يملكون حتى القدرة على الفرار عند اندلاع الانفجارات أو حتى رفاهية سماعها.

ذوو الإعاقة في غزة يدفعون ثمنًا مضاعفًا، ففاقدو السمع والبصر والمقعدون يجدون أنفسهم عالقين وسط القصف لا يجدون مهربا، ومع نقص الغذاء وانتشار الجوع، تتضاعف معاناتهم، حيث تفتقر أجسادهم المنهكة إلى أدنى مقومات المقاومة.

الأمم المتحدة حذرت مرارًا من أن غزة تعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة، لكن الواقع على الأرض أكثر قسوة مما تنقله تقارير المنظمات الدولية ونشرات الأخبار، فالمستشفيات تعمل فوق طاقتها بلا كهرباء كافية، ولا أدوية ولا أسرّة، فيما آلاف الجرحى على قوائم الانتظار للعلاج أو للسفر ولا يجدون إلا الموت نهاية لمأساتهم، ورحيل لأحلامهم قبل أن تبدأ.

بين نور التي تواجه خطر البتر الكامل وناهض الذي رحل بعدما حُرم من حقه في العلاج، وفي الحياة، تتجسد حقيقة مرة: أطفال غزة لا يموتون مرة واحدة، بل ألف مرة يوميًا، يموتون مع كل تأخير في إصدار تحويلة طبية لتحقيق حلم الاجلاء الطبي ومن ثم السفر لتلقى العلاج في الخارج.

إنها قصص لا تنتهي، لكنها تطرح سؤالًا لا يزال معلقًا: إلى متى سيبقى أطفال غزة يواجهون الموت وحدهم، بلا دواء ولا أمل، بينما العالم يكتفي بالشجب والندب.

المقالة السابقة
مأساة عائلة حسب الله آدم.. «الماء الأسود» ينتزع بصر أسرة سودانية بأكملها
المقالة التالية
بريطانيا تدعم حقوق ذوي الإعاقة في لبنان بتمويل لـ«الشؤون الاجتماعية»

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (460) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (142) الاستدامة (1099) التحالف الدولي للإعاقة (1072) التشريعات الوطنية (844) التعاون العربي (514) التعليم (83) التعليم الدامج (65) التمكين الاقتصادي (90) التنمية الاجتماعية (1094) التنمية المستدامة. (84) التوظيف (64) التوظيف الدامج (827) الدامج (56) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (163) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (73) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (508) الكويت (86) المجتمع المدني (1076) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1069) تمكين (87) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (76) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (156) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1037) ذوي الإعاقة (528) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (396) سياسات الدمج (1057) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (649) كود البناء (449) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1064) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (84) منظمة الصحة العالمية (663)