وسيم راضي.. كفيف من غزة يقود مبادرة لإنقاذ فاقدي البصر 

وسيم راضي.. كفيف من غزة يقود مبادرة لإنقاذ فاقدي البصر 

المحرر: سماح ممدوح حسن- غزة

في قطاع غزة الممزق بالحرب والنزوح والحرمان، يروي الشاب الكفيف وسيم راضي تجربته التي ولّدت مبادرة إنسانية فريدة تحمل اسم «ملاذ»، من وسط الخيام والشوارع المدمرة ونقص الماء والدواء، خرج صوت وسيم ليقول إن المرض المزمن أصبح إعاقة جديدة تضاف إلى إعاقته البصرية، تثقل كاهله وكاهل أسرته في وقت واحد.

يصف وسيم الوضع لـ«جسور»  بقوله: «في ظل حالة النزوح المستمر وانعدام توفر المياه الصالحة للشرب وسوء التغذية، وشح الأدوية، بجانب أن ما هو متوفر منها منتهي الصلاحية، وفي ظل الطرق المدمرة والشوارع غير الموائمة وصعوبة وصولنا كأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية وأصحاب الأمراض المزمنة إلى المراكز الطبية، أضحى مرضنا المزمن يشكل إعاقة إلى جانب إعاقتنا البصرية، التى لا تثقل فقط كاهلنا إنما أيضًا كواهل من حولنا. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة ملاذ.»

فكرة المبادرة وأهدافها

مبادرة «ملاذ» تهدف، كما يوضح مؤسسها، إلى إجلاء 15 شخصًا من ذوي الإعاقة البصرية وأصحاب الأمراض المزمنة وعائلاتهم بشكل عاجل، على أن تكون وجهتهم دولة الإمارات العربية المتحدة.

المبادرة وُجهت بخطابات إلى جهات عدة، منها: جمعية الهلال الأحمر الإماراتي واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، فيما تضم الحالات التي تستهدفها المبادرة أمراضًا خطيرة ومتنوعة، منها: الضغط والسكري والقصور الكلوي والسرطان، وغيرها من الأمراض المزمنة التي تضاعف المعاناة.

ويقول وسيم: «تسعى المبادرة في مرحلتها الأولى لإجلاء 15 حالة فقط، لكن الهدف أن تكون خطوة أولى نحو مزيد من الجهود لاحقًا.»

يشرح وسيم سبب اختيار 15 شخصًا فقط للإجلاء قائلا: «أحببت أن أبدأ بعدد قليل، على طريقة: كي تُطاع اطلب المستطاع. فمن غير المنطقي أن أبدأ مبادرتي بعدد كبير كـ20 أو 30 شخصًا، فإجلاء شخص واحد صعب جدًا فى ظل الظروف الحالية، لذا طالبت بإجلاء أقل عدد.

أما الإمارات، فلأنهم متميزون في معالجة المكفوفين. أيضًا مدينة الإمارات الإنسانية هي الأولى في الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين، وما توفره من امتيازات يجعلها المكان الأنسب.»

ولم تخرج فكرة المبادرة من فراغ بل من معاناة شخصية عاشها منذ الطفولة حين فقد بصره في أيامه الأولى:

ويحكي قصته قائلا: «ولدت كطفل طبيعي، لكن حالتي احتاجت إلى الحضانة بسبب نقص الأوكسجين، فدخلتها أسبوعين. وعندما خرجت وجد أهلي أن عيني ليست طبيعية. فيما بعد عرفوا أن العين تضررت بسبب إضاءة الحضانة.»

ورغم أن قطاع غزة يعجّ بحالات إنسانية صعبة من مختلف الفئات، يؤكد وسيم أن «ملاذ» مخصصة لفئة محددة: «لو فيه حالة صعبة لكنها ليست من المكفوفين، وتحتاج الخروج أكثر من شخص كفيف، فلن أستبدلها. ليس عدم إنسانية، لكن مبادرتي محددة وهدفها محدد وتخاطب أشخاصًا بعينهم وبرسالة واضحة. أنا كفيف وأعاني من أمراض مزمنة، وبالتالي أنا مخوّل من طرف الأشخاص أصحاب الإعاقة البصرية. لا يحق لي التحدث باسم حالات أخرى. لكن لو هناك حالة كفيف صعبة بعد اكتمال العدد، ربما نستبدلها. أما المبصرون فهناك من يتحدث باسمهم. نحن فئة هشة ليس لنا من يتحدث باسمنا، ولهذا وُجدت مبادرتنا: ملاذ للمكفوفين وأصحاب الأمراض المزمنة»

معاناة مضاعفة

اختيار التركيز على المكفوفين لم يكن اعتباطيًا بل نابع من تجربة شخصية: «وجدت أني كشخص كفيف أدري بهذه الإعاقة أكثر من غيرها من الإعاقات. فمن رحم معاناتي وألمي ولدت المبادرة. وإذا كان كف البصر ألمًا فكف البصر مع الأمراض المزمنة هو إعاقتين. فبعض الأمراض تضاعف المشكلة، لأن الكفيف في أبسط الأحوال إذا لزم بيته أو خيمته ليس مضطرًا للخروج، لكن المريض المزمن مضطر للخروج بشكل دوري للفحوصات والأدوية، وهذا يرهق كاهل أهله ويزيد من معاناته.»

ويتابع: «الكفيف صاحب المرض المزمن والنازح في غزة يعيش سلسلة من المعاناة المتواصلة. عقدت حياتي، ليس حياتي فقط بل جميع المكفوفين من حولي. أكثر هذه التعقيدات هي الهواجس التي لا تنتهي: هل طاقتنا وصحتنا ستسعفنا لإكمال مشوار النزوح؟ هل سنجاري المبصرين في الركض السريع؟ هل سنجد مكانًا موائمًا؟ ماذا لو كان المكان مكتظًا؟ ماذا سيحدث لو أن مرض أحدا ونُقلت إلينا العدوى؟ هل سيأخذني أحد إلى المشفى ويهتم بي؟ هل سأصل للخدمات الطبية بسهولة أم بطرق أصعب؟ هل أدويتي ستكفيني أم لا؟»

و يضيف:«سوء التغذية يدهور حالتنا الصحية أكثر. المياه غير صالحة للشرب وتؤذينا أكثر مما تروينا. الأدوية المنتهية الصلاحية الشحيحة ليست لها أي مفعول. هكذا يتدهور الحال ويتغير للأسوأ.»

معاناة الكفيف في غزة

يصف وسيم جانبًا آخر من الواقع: «الكفيف في غزة معاناته مضاعفة فهو يشعر بالعجز دائمًا. لا يستطيع فعل شيء، خاصة وأن المبصرين مشغولون بأشياء بدائية مثل جمع الحطب أو نقل المياه الصالحة للشرب. وبالتالي صار انتظار الكفيف لمساعدة المبصر أمرًا غير مجدٍ ومرهقًا نفسيًا جدًا. فحتى ينتهي المبصر من مهامه، يكون هذا إرهاقًا فوق إرهاق للمكفوف والبصير معًا. الكفيف يشعر وكأنه ثقيل على من حوله.»

وعن طريقة العون التى يطمح وسيم من المؤسسات أن تقدمها فهو يري أن الدعم يبدأ من نشر المبادرة وتعميمها على الجمعيات المعنية، وإيصال أصوات أصحابها إلى المؤسسات الدولية، والتعجيل بإجلاء المكفوفين عن القطاع.

أما عن المستقبل، فيقول: «لو نجحت المبادرة في مرحلتها الأولى واستطعنا السفر إلى الإمارات، فسوف نتواصل مع الهلال الأحمر الإماراتي لإعطائهم بقية أسماء المكفوفين ممن هم بحاجة للإجلاء بأسرع وقت.»

ويختم بنداء مؤثر: «الحياة في غزة مستحيلة. بقاؤنا صار مؤلمًا ومضنيًا ويساهم في موتنا البطيء. أنقذونا قبل فوات الأوان. الإجلاء صار ضرورة ملحة جدًا وعاجلة.»

المقالة السابقة
في اليوم الدولي للعمل الخيري… «جسور»: العطاء «رسالة وليس صدفة»
المقالة التالية
ورشة تدريبية في نيجيريا تحذر الإعلام من تكريس الصور النمطية عن الإعاقة

وسوم

أصحاب الهمم (45) أمثال الحويلة (391) إعلان عمان برلين (394) اتفاقية الإعاقة (537) الإعاقة (99) الاستدامة (879) التحالف الدولي للإعاقة (855) التشريعات الوطنية (674) التعاون العربي (416) التعليم (52) التعليم الدامج (46) التمكين الاقتصادي (63) التنمية الاجتماعية (877) التنمية المستدامة. (58) التوظيف (44) التوظيف الدامج (700) الدمج الاجتماعي (613) الدمج المجتمعي (128) الذكاء الاصطناعي (67) العدالة الاجتماعية (56) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (421) الكويت (66) المجتمع المدني (866) الولايات المتحدة (50) تكافؤ الفرص (865) تمكين (61) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (503) حقوق الإنسان (61) حقوق ذوي الإعاقة (74) دليل الكويت للإعاقة 2025 (368) ذوو الإعاقة (118) ذوو الاحتياجات الخاصة. (838) ذوي الإعاقة (412) ذوي الهمم (45) ريادة الأعمال (382) سياسات الدمج (851) شركاء لتوظيفهم (376) قمة الدوحة 2025 (499) كود البناء (371) لغة الإشارة (46) مؤتمر الأمم المتحدة (330) مجتمع شامل (858) مدرب لغة الإشارة (579) مصر (39) منظمة الصحة العالمية (599)