Skip to content

“ولدت بشلل في ساقها”.. شادية سائقة تاكسى ومعلمة قيادة لذوي الإعاقة

“ولدت بشلل في ساقها”.. شادية سائقة تاكسى ومعلمة قيادة لذوي الإعاقة

المحرر: سحر شيبة - مصر

لم تكن شادية رجب طفلة عادية تلعب وتلهو كغيرها من أبناء الجيران في مثل عمرها، كانت دائمًا ما تحمل همًّا لم تختره، تفكّر كثيرًا قبل أن تتحرك، وتحسب حسابات لا يعرفها أقرانها، شقاوة الأطفال وألعابهم  محرمة عليها، لأنها صاحبة إعاقة.

شادية رجب أو أم وسام ، سيدة مصرية مكافحة، لم تستسلم لإعاقتها، سعيا وراء لقمة العيش في زمن لا يرحم، وقررت أن تمارس مهنة لا يمارسها في مصر سوى الرجال، سائقة على سيارة أجرة “تاكسي” ثم معلمة قيادة لذوي الإعاقة .. كانت منذ شبابها محبة للخير، تجد سعادتها في مساعدة الآخرين، وهي أولى الناس بالمساعدة، حبها للخير جعلها دائمًا ما تحاول الانضمام للأنشطة الخيرية ولكل ما يفيد الناس، كبرت وتفوقت في تعليمها، ثم تزوجت، وسافرت خارج البلاد، وأنجبت طفلين، وظنت أن الحياة ابتسمت لها.

تحكي أم وسام  لـ جسور قائلة: ” وُلدتُ بشلل أطفال في ساقي اليسرى، في مجتمع لا يتفهم الإعاقة، كان حلمي الأول أن أصنع بيتًا يشبه قلبي الذي لا يراه أحد، بيتًا يملؤه الحب والحركة والحياة التي حُرمت أن أعيشها، وحين تقدم أحدهم لخطبتي كنت في قمة سعادتي، أن الحلم الذي بِتُّ طويلًا أرسمه على وسادتي جاء وقت تحقيقه ، تزوجت ووهبني الله صغارًا، وصنعت من بيتي قصرًا منيعا، جدرانه الحب، وبواباته السعادة، وأثاثه العطاء، قصرٌ لا يتسرّب فيه صمتي، ولا يَخترق دفئي، يسعد صغاري فيه ، وينعمون بكل ما حُرمت ، كنت أعيش معهم طفولتي من جديد، أفرح بصخبهم وحركتهم ومرحهم، وأتمنى دائمًا ألّا تطالهم معاناتي.

ولأن الحياة كعادتها لا تعطي الفرح طويلًا، لم يَدُم هذا الدفء، ولم يستمر ذلك الاستقرار، وسرعان ما زادت الخلافات بيني وبين زوجي حتى انتهت بالطلاق، وفي لحظة انتهى كل شيء، وانكسرت بوابات قصري التي ظننت أنني أحكمت إغلاقها، وخرجت وأطفالي أواجه العالم الموحش من جديد، ولكن هذه المرة كانت أقسى: امرأة من ذوي الإعاقة، ليس لها مأوى، لا تملك دخلًا ولا عملًا، تخلّت عنها الحياة بأكملها، تحمل طفلين لا تعلم مصيرهم ولا مصيرها.

منذ عودتي، وحاولت إيجاد عملا يناسب إعاقتي اطعم منه صغاري ، ولكن الخيارات كانت شبه معدومة، وتستطرد: “طرقت كل الأبواب حتى وجدت مكانًا يطلب معلمين للقيادة لذوي الإعاقة، وكنت أُجيد القيادة منذ سنوات، وتم قبولي بفضل الله، لا أستطيع أن أصف مدى فرحتي وشكري لله وقتها، شعرت أن الله يُدبّر لي الأمر في الخفاء، ويُرشدني للصواب رغم جهلي به، فلم تخطر هذه المهنة ببالي مطلقًا.

وتضيف، على الفور، استأجرت شقة لأولادي، وبدأت في ترتيب قائمة حياتي من جديد، وبعد وقت ليس بقليل، فكرت في شراء سيارة صغيرة بنظام التقسيط من راتبي البسيط، وبالفعل نجحت هذه الفكرة. وكنت أسكن في مكان لم تصله الخدمات والمواصلات، وبما أنني دائمًا ما أحب مساعدة الناس، كنت دائمًا في طريقي لعملي أقف بسيارتي في انتظار أيٍّ من جيراني لأُسهل عليه مشوار عمله، ودائمًا ما أجعل هذه المشاوير بنية تيسير أموري.

وبالفعل، اقترح عليّ جيراني وقتها أن يكون هذا بمقابل مالي ويزيد من دخلي، اقتنعت بالفكرة، وأصبحت أقوم بتوصيل جيراني قبل مواعيد عملي وبعدها، وبدأ دخلي يتحسن. وقمت وقتها بنقل مكان سكني لموقع أفضل وأقرب، وكذلك مدارس أولادي.

بعدها قررت أن أنزل فعليًّا للشارع وأعمل بالقيادة على تاكسي، وأحصل على دخل أفضل. وهنا بدأت أواجه صعوبات ورفضًا لوجودي من السائقين، لكنني لم أيأس ولم أستسلم، وكنت على يقين أنهم سوف يقبلونني. وبعد فترة، أصبح السائقون يراعونني، ويتقبلون وقوفي بجانبهم أطلب الرزق مثلهم، وأصبحت أقف أمام محطة مصر يوميًّا من الساعة الخامسة فجرًا، أنتظر قدوم المسافرين، وأقوم بتوصيلهم إلى بيوتهم. وتيسّر الأمر معي، خاصة أن هناك العديد من السيدات أو الشابات صغار السن لا يرغبن في الركوب مع السائقين، فيلجأن إليّ.

والآن، وأنا لا يفصل بيني وبين الستين عامًا إلا شهور قليلة، تخرجت بناتي من الجامعة، وتزوّجن، وأنجبت كلٌّ منهن طفلًا جميلًا، وصرتُ جدة، وما زلت أُعافر وأتلقى من الحياة دروسًا، ولعلّ أهمها أن السعي وراء الرزق الحلال لن يخذلك أبدًا مهما كانت تحدياتك، وهذا وعد الله، ووعده حق لا يُخلف أبدًا.”

المقالة السابقة
منتخب مصر لرفع الأثقال البارالمبي يجرى تجارب بطولة العالم 2025
المقالة التالية
“نماء الخيرية” تحتفى بتكريم الكويت للطلاب المتفوقين من ذوي الإعاقة