يقاوم الضمور الدماغي.. الطفل «محمد» المطوق بالجوع والألم في غزة

يقاوم الضمور الدماغي.. الطفل «محمد» المطوق بالجوع والألم في غزة

المحرر: محمود الغول - غزة
الطفل محمد المطوق

في عالم أصبحت فيه صور الأطفال رمزا لأكبر الكوارث الإنسانية، تصدرت صورة الطفل الفلسطيني محمد المطوق وسائل الإعلام العالمية، جسده الهزيل، وعظامه البارزة التي تكاد تخترق جلده، لم تكن مجرد صورة، بل كانت صرخة صامتة مدوية من قلب شمال غزة المحاصرة، تروي قصة عائلة أنهكتها الحرب، وطفل يصارع الموت جوعا.

ولادة في زمن الحرب

قصة الحصار والجوع والمرض في خيام غزرة تحكيها لـ”جسور” والدته، هداية المطوق، التي وجدت نفسها وحيدة في مواجهة مصير قاس، بعد أن فقدت زوجها وسندها، وأصبحت عاجزة عن توفير أبسط مقومات الحياة لطفليها. تقول «أنا هداية المطوق أم لطفلين، طفلي جود عمره 3 سنوات وطفلي محمد يبلغ من العمر سنة وثمانية أشهر»، في حديثها لـ «جسور» تبدأ الأم هداية سرد حكايتها، التي لم تكن رحلة معاناة عادية، بل كانت رحلة مركبة بدأت قبل أن تستشري المجاعة في غزة.

ولد محمد في 23 ديسمبر 2023، في خضم الحرب، لكن الأقدار حملت له تحديا أكبر منذ لحظة ولادته، «محمد عند ما ولدته صار عنده نقص أكسجين بالدماغ حين الولادة، وهذا أثر سلبي عنده أدى إلى ارتخاء بالعضلات وضمور بالدماغ».

لم يكن محمد طفلا عاديا، فقد كان يحتاج إلى رعاية خاصة وحليب معين بسبب حالته الصحية المعقدة، ورغم كل الصعاب، كانت العائلة متماسكة، حيث وجود الأب، زوج هداية، كان يمثل لهم جدارا منيعا في وجه ظروف الحرب التي كانوا يرفضون النزوح بسببها.

الطفل محمد المطوق يقاوم المرض والجوع والحصار في غزة

وتكمل الأم المكلومة حكايتها: «كان جوزي موجود معنا… وكنا حضرنا كل الحرب بالشمال ما نزحت عالجنوب وكانت حياتنا رغم الحرب منيحة ومشيين أمورنا ومش محتاجين حد».. الأمل كان ينمو مع تحسن حالة محمد الذي بدأ «يزحف وبدأ يحكي بابا ماما»، وكأنه كان يتهيأ لحياة أفضل، لولا أن الأقدار كانت تخبئ لهم مأساة أعظم.

الفاجعة التي فتحت أبواب المجاعة

في يوم 28 أكتوبر 2024، تحطمت كل آمال الأم هداية، فتقول: «استشهد جوزي». فجأة وجدت الأم نفسها وحيدة مع طفليها في شمال غزة المنكوبة، «أهلي كانوا بالجنوب وضليت لوحدي أنا وولادي بالشمال وما ضل إلنا أي معيل أي حدا يسأل علينا».

مع رحيل السند بدأت المجاعة تفرض نفسها كوحش لا يرحم، «ولما أدت المجاعة ما كنت أقدر أوفر حليب ولا أي إشي من مقومات الحياة والوضع صار يزداد سوء».

كان محمد هو الضحية الأولى لهذه المجاعة التي «أكلتهم أكل»، جسده الذي كان يحتاج إلى تغذية خاصة، أصبح يواجه نقصا حادا في الغذاء.. «دهورت حالة محمد وبدأ الجوع ينهش فيه لحد ما وصل لهاي المرحلة اللي هو فيها».

إنها قصة أم شاهدت طفلها يذبل أمام عينيها، وهي عاجزة عن تقديم أبسط احتياجاته.

جسد هزيل وأمراض تنهش

صورة محمد المطوق التي انتشرت عالميا لم تكن كذبة رغم أنها تبدو أقسى من أن يصدقها عقل قبل القلب، بل كانت حقيقة مريرة تؤكدها تفاصيل معاناته، فقد فقد الطفل وزنه بشكل حاد، حتى وصل إلى 6 كيلوجرامات فقط، وهو وزن لا يناسب أبدا طفل في مثل سنه.. «كنت أسقيه الماء بدلا من الحليب بسبب نقص الغذاء»، في محاولة يائسة منها لإبقائه على قيد الحياة.

لكن الأمراض لم تكتف بسوء التغذية، فإلى جانب ضمور الدماغ وارتخاء العضلات، يحتاج محمد الآن إلى عملية جراحية عاجلة «فتاء في الخصيتين»، وهي عملية تتكلف 3000 شيكل. هذا المبلغ، الذي يبدو زهيدا، أصبح ثروة لا يمكن توفيرها في ظل ظروف النزوح، والحياة في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية والصحية.

رمز للمأساة وصمت للعالم

قصة محمد المطوق ليست قصة فرد، بل هي مرآة تعكس مأساة آلاف الأطفال الفلسطينيين في غزة، الذين يواجهون نفس المصير نتيجة العقوبات الجماعية والحصار المستمر. أثارت صورته تعاطفا واسعا، لكنها أيضا كانت محط حملة تشويه إعلامي إسرائيلي حاول التشكيك في حالته.

في النهاية، تبقى صرخة الأم هداية هي الصوت الوحيد الذي يطلب الرحمة من العالم: «المجاعة أكلتنا أكل فلهيك محمد وصل لهاي المرحلة». جسد محمد الصغير، الذي يصارع الجوع والأمراض، هو شاهد على فشل العالم في حماية أطفاله، وعلى ضرورة التحرك السريع لإنقاذه هو وجميع أطفال غزة قبل فوات الأوان.

حقائق وأرقام مفزعة

تقرير أعدته منظمة اليونسيف  يؤكد أن 470,000 شخص في غزة يعانون من جوع كارثي، وأن 71,000 طفل وأكثر من 17,000 أم بحاجة لعلاج فوري لسوء التغذية الحاد.

وفي يونيو 2025، تم إدخال أكثر من 5,800 طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية، منهم أكثر من 1,000 حالة شديدة، وسجلت نسبة سوء التغذية بين الأطفال دون خمس سنوات ارتفاعا كبيرا .

منظمة الصحة العالمية حذرت من أن حوالي واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في غزة يصاب بسوء تغذية حاد، وأن مراكز علاج سوء التغذية تعمل فوق طاقتها منظمة الصحة العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير عدة إلى أن كل طفل تحت سن الخامسة معرض لخطر سوء التغذية المهدد للحياة، وسط نقص حاد في حليب الأطفال والعلاجات الغذائية .

ومع استمرار الحصار والعدوان، قصرت إسرائيل من وصول المساعدات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة إلى مستويات شبيهة بالمجاعة الحقيقية.

المقالة السابقة
الحكومة المصرية: تعديلات القانون تحمى حقوق ذوي الإعاقة

وسوم

أصحاب الهمم (43) أمثال الحويلة (387) إعلان عمان برلين (391) اتفاقية الإعاقة (528) الإعاقة (73) الاستدامة (737) التحالف الدولي للإعاقة (744) التشريعات الوطنية (532) التعاون العربي (402) التعليم (37) التعليم الدامج (38) التمكين الاقتصادي (51) التنمية الاجتماعية (734) التنمية المستدامة. (48) التوظيف (33) التوظيف الدامج (695) الدمج الاجتماعي (604) الدمج المجتمعي (107) الذكاء الاصطناعي (56) العدالة الاجتماعية (52) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (394) الكويت (56) المجتمع المدني (732) الولايات المتحدة (47) تكافؤ الفرص (727) تمكين (40) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (496) حقوق الإنسان (58) حقوق ذوي الإعاقة (68) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (91) ذوو الاحتياجات الخاصة. (705) ذوي الإعاقة (264) ذوي الهمم (41) ريادة الأعمال (380) سياسات الدمج (718) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (367) كود البناء (366) لغة الإشارة (40) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (726) مدرب لغة الإشارة (578) مصر (32) منظمة الصحة العالمية (597)