وسط الزحام والصخب في أحد شوارع الإسكندرية، يلفت نظرك فتى صغير يركض وراء الكرة بحماسة منقطعة النظير، يراوغ.. يمرر.. ويحتفل وكأنه يسجل هدفا في نهائي كأس العالم، لكن المدهش في المشهد أن الفتى لا يملك ذراعين ومع ذلك فإن مهاراته الكروية لا تقل عن أي من أقرانه، بل تفوقهم أحيانا.. هذا هو زياد حسام أو كما يعرف بين أصدقائه في الحي ب«زيزو».
زيزو شاب مصري ولد عام 2007 بلا ذراعين، لكنه لم يسمح لإعاقته أن تكون حاجزا بينه وبين شغفه الكبير.. كرة القدم.
«من وأنا صغير بحب الكورة»، يقول زيزو لـ«جسور» بابتسامة لا تفارقه، وكأنه يتحدث عن صديق عمر، «لعبت في الشارع واتعلمتها من العيال اللي أكبر مني، ولقيت نفسي موهوب وحريف، بشهادة الناس اللي حواليا».
وبالفعل أهل منطقته لا يتحدثون عن حالته أو إعاقته، بل عن مهارته وتمريراته الذكية وتسديداته الدقيقة.. «أنا بعرف ألعب كورة، وأحسن من ناس كتيرة كمان، والله بشهادة الناس اللي في منطقتي. مش بيقولولي كده علشان يراضوني مثلا، لا والله دي حقيقة»، يؤكد زيزو بثقة نادرة.

لكنه لا يخفي مرارته من واقع يحرمه من المنافسة الرسمية، حيث يقول: «أنا بحب ألعب كورة، بس للأسف مينفعش ألعب دوري زي الناس السليمة. أنا نفسي يعملوا دوري للناس اللي زيي، زي ما عملوا لقصار القامة والساق الواحدة».
ورغم الموهبة لم تكن الطريق سهلة فوالده في البداية لم يكن مؤيدا لفكرة لعبه للكرة: «بابا كان زمان مكنش بيحبني ألعب كورة»، يروي زيزو ثم يضيف ضاحكا: «بس دلوقتي بيشجعني وبيبقى مبسوط لما يشوفني بلعب».
وما بين كرة القدم وكفاحه الشخصي، كان هناك فصل آخر في حياة زياد.. الكاراتيه، ويقول لـ«جسور»: «أنا أصلا كنت بلعب كاراتيه زمان، ولما كان سني 7 سنين كنت هسافر الجزائر ألعب بطولة هناك» في إشارة إلى مرحلة أخرى من التحدي في حياته.. «بس بعد كده، فضلت الكورة.. حبيتها أكتر».
اليوم زياد يبلغ من العمر 18 عاما، يدرس في كلية الآداب،قسم اجتماع،بجامعة الإسكندرية.. طالب في السنة الأولى ورغم انشغاله بالدراسة، لا تزال الكرة جزءا لا يتجزأ من يومه.. «أنا بلعب في أكاديمية عندنا مع كابتن سعيد»، يقول، موضحا أنه لا يتوقف عن تطوير نفسه، رغم غياب فرص المنافسة الرسمية.
ومثل أي شاب موهوب، يحلم زيزو بأن تصل موهبته إلى أبعد مدى: «أنا نفسي أسافر وألعب كورة».
في زمن تصنف فيه المواهب حسب المقاييس البدنية، يرفض زيزو أن يوضع في خانة العجز أو الشفقة لا يريد تصفيقا مجانيا، بل فرصة عادلة: «أنا مش محتاج حد يطبطب عليا، أنا محتاج دوري ألعب فيه، أثبت فيه نفسي».
وما بين شغفه باللعب وحلمه بالاحتراف، يعيش زيزو قصة كفاح يومية، لكنها ليست حزينة، إنها قصة نادرة عن الإصرار وعن من يتحدى قوانين الجسد ليكتب مجده الخاص. وبينما يركض في شوارع الإسكندرية خلف الكرة، لا يطارد زيزو هدفا في المرمى فقط، بل يطارد حقه في أن يرى، يسمع، ويحترم.
ربما لا يملك ذراعين، لكنه يملك قلبا لا يتوقف عن الحلم، وقدرين من العزيمة لا تملكهما أحيانا فرق كاملة.