يوسف بكرون.. طفولة منتهكة تحت ركام الحرب في غزة

يوسف بكرون.. طفولة منتهكة تحت ركام الحرب في غزة

المحرر: سحر شيبة - غزة
يوسف بكرون يخوض رحلة شاقة من مقاومة الألم بحثا عن الحياة

يوسف بكرون. عنوان لطفولة منتهكة تحت ركام الحرب في غزة، وتوثيق ينبض بالألم. لجرائم دولة الاحتلال. ضد أصحاب الأرض. عاش الصغير أهوالًا تحت الركام. لا يحتملها بشر، ويعيش بإصابات بالغة. بعد أن كتب الله له عمرًا، بينما ترك خلفه شقيقين، رحلا قبل أن يودّعاه، وأمًا تصارع آلامًا رهيبة. تنهش جسدها وذاكرتها، وذلك في أعقاب قصف منزل أسرته في غزة.

يوسف الذي نجى من الموت. حملت قدمه اليسرى جراحًا غائرة، تهتكًا في العظم والأنسجة، التهابات لا تهدأ، وعمليات فشلت واحدة تلو الأخرى، أطباء حذّروا من أن البتر صار أقرب من أي شيء آخر، بينما كان الأب يواجه قرارًا لا يستطيع قلبه أن يتحمله، كيف يقبل أن تُبتر قدم ابنه، بعد أن فقد ابنيه الآخرين تحت الركام.

يوسف يخوض رحلة شاقة من مقاومة الألم بحثا عن الحياة
يوسف بكرون يخوض رحلة ألم بحثا عن الحياة

لكن رحلة يوسف لم تتوقف عند مشهد الألم. جاء الفرج مع قرار نقله من غزة إلى الأردن لتلقى العلاج، لعل فرصة جديدة تُنقذ قدمه، كى لا يصير معاقا بقية عمره.

مأساة يوسف بكرون بدأت من تحت الركام

يقول والد يوسف لـ”جسور“:لم يكن صباح ذلك اليوم مثل أي صباح. كنا نعيش بين الخيمة والبيت. نحاول أن نلتقط أنفاسنا. ونحمي أطفالنا. قدر ما نستطيع. وفجأة في لحظة لا تُنسى، قصفوا البيت ونحن ما زلنا في الخيمة. ثوانٍ قليلة، وكان كل شيء قد انتهى، استُشهد أبي.وولداي الاثنين، وأُصيب يوسف، وشقيقه آدم. وأصيبت ابنتي الصغيرة. وزوجتي فقدت الذاكرة. وأصيبت بثلاثة كسور في اليد وكسر في الحوض.

ويكمل حديثه: عندما هرعت إلى مكان التفجير. كان البيت كومة حجارة. وكأن العمر كله انهار فوق رؤوسنا. استخرجت فرق الإنقاذ جسد يوسف من تحت الركام، كان مغطى بالغبار والدم والجروح. وقدمه اليسرى مصابة إصابة بالغة، اللحم مفتوح والعظم ظاهر، لم استوعب شيئًا، كنت أبحث عن بقية أولادي، وأبي، ولم أجد إلا حطاما وأشلاء “.

يوسف يخوض رحلة شاقة من مقاومة الألم بحثا عن الحياة
يوسف بكرون يخوض رحلة شاقة من مقاومة الألم بحثا عن الحياة

ويتابع:”شقيقته أولينا، عشر سنوات، استشهدت، وربحى ثماني سنوات أيضا ، حتى أبي خرج بلا روح، أما زوجتي، فقد كانت بين الحياة والموت، ذاكرتها تذهب وتعود، وجسدها مليء بالكسور”.

هروب من شبح البتر وجراح لا تلتئم

ويكمل الأب:”يوسف دخل في عمليات كثيرة، الأطباء حاولوا بكل الطرق، لكن الجرح كان أعمق مما توقعوا. الالتهابات زادت، والأنسجة تهتكت، والعظم تعرض لتآكل شديد. البلاتين لم يُثبت، والجروح لم تستجب. كل يوم كانوا يحذروني بأن قدم يوسف قد تُبتر في أي لحظة'”.

ويضيف:”كنت أسمع كلمة البتر ولا أصدق. كيف أقبل أن يُبتر قدم يوسف؟ كيف أتحمل أن يعود طفلي بلا قدم بينما أنا دفنت اثنين من أبنائي قبل أيام؟ قلبي لم يكن يحتمل. بقيت أؤجل القرار وأهرب منه. كنت خائفًا جدًا، خائفًا من أن أفقد ما تبقى لي”.

حين اقترب الموت من قدمه.. جاء الفرج

يتابع :”زاد وضعه سوءًا، الالتهاب كان ينتشر بسرعة. والطبيب قال لي، بصراحة: ‘لو ما طلع فورًا من غزة، البتر سيكون هو الحل الوحيد’. كنت أشعر أن الوقت يركض ونحن واقفون مكاننا. إلى أن جاء الفرج من الله، وتم إجلاء يوسف إلى الأردن. عبر منظمة فجر العالمية”.

يوسف بكرون ونظرة ثقة بأن صاحب الأرض سينتصر
يوسف بكرون ونظرة ثقة بأن صاحب الأرض سينتصر

ويؤكد والد يوسف امتنانه لمن قدّم له العون. ويقول: «كل الشكر والتقدير لمنظمة فجر العالمية. فقد بذلت جهودًا إنسانية كبيرة في تبنّي حالة يوسف ابني. وكذلك عدد من الأطفال. كما ساعدونا في إجلائهم للعلاج في الأردن. وهُم أعادوا لنا الأمل وسط الخراب الذي نعيشه».

وجع لا يشبه عمره.. وأمل لا ينطفئ

ويواصل الأب حديثه لـ«جسور». ويقول: «يوسف سافر مع والدته. وتجدد الأمل في علاجه. وكل يوم أنتظر خبرًا من أمه. وأنتظر أن تقول لي إنه تحسّن. وأن قدمه بدأت تستجيب. وأتمنى أن يعود إليّ وهو واقف على رجليه».

ويضيف: «يوسف عانى كثيرًا جدًا في الفترة الماضية. والوجع الذي شاهده أكبر من عمره بسنوات. وكنت أراه يصرخ من الألم. وأقف إلى جواره عاجزًا. ولا أستطيع أن أقدّم له شيئًا. وأحاول أن أخفي دموعي. وأمسك يده. وأقول له إنه بخير. بينما كنت أنا نفسي لست بخير».

ويختم الأب حديثه قائلًا: «أتمنى ألا يشعر يوسف بأي وجع بعد اليوم. وأتمنى أن يعود طفلًا مثل كل الأطفال. وأن يقف على قدميه. وأن أراه يجري ويلعب ويضحك. ويعيش عمره الحقيقي الذي سرقته الحرب».

أمل جديد وخطوة أولى على طريق الشفاء

اليوم، يوجد يوسف بين أيدي الأطباء الذين يحاولون إنقاذ قدمه. كما هو بين يدي أم ما زالت تتعافى من جراحها. وبين أب يتعلق بأي بصيص نور. ورحلته ما زالت طويلة. لكن خطوة النجاة من غزة إلى الأردن فتحت نافذة أطلّ منها على الحياة. ورغم كل ما فقده. يبقى هذا الطفل الصغير أكبر شاهد على أن الحياة أقوى من الركام. وأن صاحب الحق سوف ينتصر. و البراءة وإن لم تجد من ينقذها. فإن الله موجود. وأن قدمًا صغيرة قد تهزم قرار البتر إن وجد العلاج في الوقت المناسب.

المقالة السابقة
اعتماد تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم للساق الواحدة.. رسمياً
المقالة التالية
بأشكال فنية من الخيش.. استمرار فعاليات ثقافة الفيوم لدعم ذوي الهمم بمصر

وسوم

الإعاقة (3) الاستدامة (33) التحالف الدولي للإعاقة (34) التربية الخاصة (2) التشريعات الوطنية (33) التعاون العربي (33) التعليم (4) التعليم الدامج (4) التمكين الاقتصادي (3) التنمية الاجتماعية (33) التنمية المستدامة (3) التوظيف الدامج (32) الدمج الاجتماعي (31) الدمج الجامعي (3) العدالة الاجتماعية (3) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (31) الكويت (5) المتحف المصري الكبير (4) المجتمع المدني (31) المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (4) المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (4) الوقائع الإخباري (2) تكافؤ الفرص (32) تمكين (2) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (31) حقوق الإنسان (3) حقوق ذوي الإعاقة (3) دليل الكويت للإعاقة 2025 (30) ذوو الإعاقة (12) ذوو الاحتياجات الخاصة. (31) ذوي الإعاقة (9) ذوي الهمم (5) ريادة الأعمال (33) سياسات الدمج (33) شركاء لتوظيفهم (34) قمة الدوحة 2025 (35) كود البناء (36) لغة الإشارة (2) مؤتمر الأمم المتحدة (36) مبادرة تمكين (3) مجتمع شامل (36) مدرب لغة الإشارة (37) مصر (12) منظمة الصحة العالمية (37) وزارة الشؤون الاجتماعية (2)