في مشهد إنساني ملهم، تجسد الشابة الكندية كيارا فيدوروس نموذجًا استثنائيًا في الإرادة والصبر، إذ تواصل تربية طفلها الأول رغم إصابتها منذ الطفولة بالشلل الدماغي الذى أفقدها القدرة على استخدام يدها اليمنى.
مجلة PEOPLE نشرت قصة كيارا وقالت: ولدت فيدوروس البالغة من العمر 23 عامًا والمقيمة في مدينة جراند بريري بمقاطعة ألبرتا الكندية، وهي تعاني من الشلل الدماغي التشنجي النصفي، الذي يصيب أحد جانبي الجسم بالتيبّس وفقدان الحركة.
ومنذ عامها الأول دخلت سلسلة طويلة من العمليات والعلاج الطبيعي لتتعلم أبسط المهارات اليومية، مثل الاستحمام وتمشيط شعرها وارتداء ملابسها والمشي بمفردها، لكن التحدي الأكبر في حياتها لم يكن في طفولتها، بل جاء عندما اكتشفت في عام 2021 أنها حامل بطفلها الأول فأمومة ذوي الإعاقة طالما مثلت مصدر رعب للسيدات.
تقول كيارا في حديثها للمجلة «كنت أعتقد أن إنجاب طفل سيكون بمثابة النهاية بالنسبة لي، نهاية لحركتي وحياتي وكل شيء، كنت خائفة أن أجعل حياة طفلي صعبة لأنني لا أملك سوى يد واحدة»

ورغم القلق الذي سيطر عليها، قررت استكمال حملها بدعم من والدتها التي قالت لها بثقة «لقد تأقلمتِ طوال حياتك مع يد واحدة، فلماذا تكون الأمومة مختلفة؟»
الأمومة تهزم الشلل
في الأول من أبريل 2024، أنجبت كيارا طفلها «آرثر» بعملية قيصرية، وتتذكر لحظة الولادة قائلة «حين رأيته لأول مرة شعرت أن كل خوفي تلاشى، كان مشهدًا يفوق الخيال، لحظة ولادة لا تمثل طفلاً فقط، بل ميلاد أم جديدة تغلبت على خوفها».
واجهت كيارا صعوبات في الأسابيع الأولى بعد الولادة، بسبب الألم المزمن الناتج عن الشلل الدماغي وصعوبة الحركة.
تقول «لم أكن أستطيع حتى الجلوس في بعض الأيام، ولم أغيّر لطفلي حفاضاته خلال الأسبوعين الأولين، كنت أشعر بالذنب لأن الآخرين هم من يعتنون به بدلاً مني».
غير أن خطيبها جوي باركر، ووالدتها كانا السند الأكبر لها، فساعداها على تجاوز تلك المرحلة حتى أصبحت قادرة بعد أسابيع قليلة على حمل طفلها، وتدريجيًا بدأت تقوم بمهام الأمومة بمفردها.
وتضيف كيارا: «في البداية كنت أستطيع حمله فقط وأنا جالسة، بعد شهرين بدأت أغيّر له ملابسه، وبعد ثلاثة أشهر أصبحت أستحم معه وأهتم به وحدي، كل يوم كنت أتعلم شيئًا جديدًا».
واليوم، وقد تجاوز آرثر عامه الأول، بدأ يقلد والدته في كل ما تفعل، حتى في استخدام يدها اليسرى فقط، تقول بابتسامة: «يراني أكنس وأحمل الأشياء بيد واحدة، فيحاول أن يفعل الشيء نفسه، هو يتأقلم معي كما أتأقلم أنا مع إعاقتي».
لكن قصة كيارا لم تتوقف عند حدود الأمومة، فقد حولت تجربتها إلى مصدر إلهام للنساء الأخريات من خلال تأسيس مبادرة Mothers Inclusive التي تدعم الأمهات ذوات الإعاقات وتوفر لهن فضاءً لتبادل الخبرات.
كما فازت مؤخرًا بلقب ملكة جمال وسط ألبرتا ضمن مسابقات Personality Pageants Canada، لتجعل من منصتها وسيلة للتوعية بقدرات النساء ذوات الإعاقة وتسليط الضوء على قصصهن الإيجابية.

تقول فيدوروس إن أكثر ما تحلم به هو أن ترى كل أمّ، أياً كانت إعاقتها، تشعر بالفخر والثقة بنفسها، وتضيف: «لا يهم كيف تكونين أمًّا، أو ما هي حدود جسدك. المهم أن تختاري الطريق الذي يناسبك وتؤمني بأنك قادرة على النجاح».
نوبات اكتئاب ومحاولات انتحار
ورغم معاناتها السابقة مع الاكتئاب ومحاولات الانتحار خلال فترة المراهقة، تؤكد كيارا أنها اليوم أكثر قوةً وتوازنًا، تقول: «لو استطعت أن أعود إلى كيارا الصغيرة، لقلت لها: لا تقلقي، سيكون كل شيء بخير»
تعد كيارا من أبرز الأصوات الشابة التي توظف وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بالإعاقة والأمومة، فمن خلال مقاطعها على “تيك توك”، تشارك تفاصيل حياتها اليومية وكيفية تجاوز التحديات بيد واحدة، لتؤكد أن الإعاقة لا تعني العجز، بل القدرة على إيجاد طرق مختلفة للقيام بالأشياء نفسها.
قصة كيارا فيدوروس تمثل رسالة أمل لكل الأمهات والنساء حول العالم: أن القوة لا تكمن في الكمال الجسدي، بل في الإصرار على الحياة، وأن الأمومة الحقيقية ليست في اليدين اللتين تحتضنان الطفل، بل في القلب الذي يمنحه الأمان. قصة كيارا تُجسّد شجاعة استثنائية، إذ حولت ألمها إلى قوة تُلهم الآخرين. نجاحها يذكّر العالم بأن الإرادة تتفوّق على الإعاقة، وأن الإصرار يصنع الفارق مهما كانت التحديات.