يثبت عدد من الإعلاميين في الأردن من ذوي الإعاقة أن الكفاءة المهنية لا تُقاس بالبصر أو الحركة، بل بالقدرة على الإبداع والإصرار والإيمان بجدوى العمل الإعلامي وأثره في المجتمع، حيث تحوّل تميّزهم إلى قصص نجاح تعبّر عن العدالة الاجتماعية وتكسر الصورة النمطية السائدة، مؤكدة أن الإعلام مساحة مفتوحة للجميع تُبنى على المهارة لا على الاستثناء.
وسلطت وكالة الأنباء «بترا»، الضوء على التجارب الفردية لهؤلاء الإعلاميين الذين يمتلكون إرادة لا تعرف المستحيل، تُعيد تعريف مفهوم التمكين في مؤسسات الإعلام الأردنية التي بدأت تنظر إلى الكفاءة باعتبارها المعيار الأهم للقبول والنجاح.
راشد الربابعة… رؤية بالقلب وصوت على الشاشة
يقول راشد الربابعة، أول مذيع تلفزيوني كفيف في الشرق الأوسط، إن تجربته في تقديم الأخبار كانت «جميلة وغير مسبوقة»، لأنها أكدت له أن النجاح في الإعلام يقوم على الالتزام والكفاءة، لا على الصورة الجسدية أو الشكل النمطي.
ويضيف أن تطوير المهارات والمعرفة هو ما يمنح الإعلامي القدرة على التأثير والتميز، مشيرًا إلى أن الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على العطاء متى توفرت بيئة داعمة ومهيأة. ويؤكد الربابعة أن الإعاقة ليست عائقًا، بل منظور مختلف يضيف خبرات جديدة، وأن التمكين المهني يجب أن يُبنى على الكفاءة لا على الشفقة.
ويشير إلى أن طريق النجاح في الإعلام يحتاج إلى صبر وثقة بالنفس، وأن البيئة الإعلامية لم تكن مؤهلة تمامًا منذ البداية، لكن الإصرار والتدريب المستمر كانا كفيلين بتجاوز العقبات. ويرى أن وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية كبيرة في إبراز القدرات الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة، وبناء صورة إيجابية عنهم كشركاء فاعلين في المجتمع.
ربى الرياحي… إصرار يعيد تعريف الممكن
الصحفية ربى الرياحي، أول صحفية كفيفة تنضم إلى نقابة الصحفيين الأردنيين، ترى أن تجربتها المهنية كانت رحلة طويلة من الإصرار والإيمان بالذات، خاضتها رغم التحديات التقنية ونظرة المجتمع. وتشير إلى أن تعلمها البرمجيات الناطقة وتطوير مهاراتها اللغوية والتحريرية مكّنها من تحويل العقبات إلى فرص، وأن الإعاقة منحتها منظورًا أوسع في فهم القضايا الإنسانية والاجتماعية. وتقول الرياحي إن المؤسسة الإعلامية التي احتضنتها كانت أكثر من مجرد مكان عمل، بل بيتًا للاحتراف وفر بيئة آمنة سمحت لها بالتعبير والإبداع.
وتؤكد أن تعامل زملائها معها على أساس المساواة المهنية منحها الثقة في قدراتها، مشددة على أن كل تقرير كتبته كان خطوة في طريق إثبات الذات، وأن الإعلام حين يحتضن التنوع يصنع التغيير الحقيقي.
رامي زلوم… الإعلام رسالة وحق
الإعلامي رامي زلوم، أحد أبرز الصحفيين الأردنيين من ذوي الإعاقة الحركية، كرس تجربته للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من موقع الشريك وصانع التغيير.
ويقول إن التمكين المهني والاحترافية هما الأساس في قدرة أي إعلامي على التأثير بغض النظر عن إعاقته، مشيرًا إلى أن البيئة المؤسسية غير المهيأة كانت من أبرز التحديات التي واجهها في بداية مشواره.
و يوضح أن تجاوب بعض المؤسسات الإعلامية ومحاولتها إزالة العقبات ساهم في تمكينه من أداء مهامه بكفاءة ودون تمييز. ويضيف أن التطور التكنولوجي ووسائل الإعلام الرقمية أسهما في تعزيز استقلالية الإعلاميين من ذوي الإعاقة، إذ أتاح لهم فضاءات جديدة مثل البودكاست ومنصات التواصل الاجتماعي ليعرضوا أعمالهم ويوصلوا رسائلهم بحرية. ويرى أن دمج التكنولوجيا بات جزءًا من إستراتيجية التمكين الإعلامي في الأردن، ما يعزز فرص المشاركة المتساوية ويكرّس مبدأ المساواة المهنية في الميدان الإعلامي.
الإعلام كمساحة عدالة اجتماعية
ويؤكد مدير قسم الأخبار في وكالة الأنباء الأردنية «بترا» جميل البرماوي يؤكد أن تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الإعلامي يجسد العدالة الاجتماعية، وأن حضورهم في المؤسسات الإعلامية ليس استثناءً بل استثمار في كفاءات قادرة على تطوير المحتوى.
ويشير إلى أن «بترا» كانت من أوائل المؤسسات التي طبّقت القوانين المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تعيين كفاءات أثبتت مهنيتها، مؤكداً أن الوكالة توفر بيئة عمل دامجة تراعي احتياجات موظفيها وزائريها من ذوي الإعاقة. ويضيف المختص في شؤون الإعلام وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عمر الزبيدي أن دخول الإعلاميين من ذوي الإعاقة إلى المجال الإعلامي هو حق أصيل، وأن الكفاءة المهنية هي أساس النجاح والتأثير.
ويشير إلى أن الإعلام أداة للتغيير الحقيقي، وأن مشاركة هؤلاء الإعلاميين تسهم في تسليط الضوء على قضاياهم ودعم حقوقهم والمساهمة في بناء خطاب إعلامي قائم على الحقوق والمواطنة المتساوية، لا على الرعاية التقليدية، وهو ما يجعل الإعلام الأردني اليوم أكثر شمولًا وعدالة في تمثيل المجتمع.


.png)


















































