عبر استغاثة مؤثرة، كشفت أم مصرية عن مأساة عائلتها بعدما أصيب أطفالها الثلاثة بمرض اعتلال العصب البصري الوراثي ليبر (LHON)، وهو وراثي نادر يهدد بفقدانهم لبصرهم وحياتهم تدريجيا، لتجد الأم نفسها وحيدة في مواجهة البيروقراطية الطبية والمالية.
بدأت القصة قبل عامين مع طفلها الأكبر، محمد عمرو، الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات، تقول الأم تحية محمد عبد الحميد بصوت متهدج لـ«جسور»: «بقالي سنة بستغيث عشان أنقذه ومش عارفة أنقذه»، وتصف أعراض المرض «خلل في الميتوكوندريا المسؤول عن توصيل الطاقة والإشارات للجسم والمخ والدماغ».. هذا الخلل يؤدي إلى فقدان البصر تدريجيا ، كما يؤثر على القلب والعضلات والمخ.
وتضيف الأم أن الأماكن التي تستهلك طاقة أكبر في الجسم هي الأكثر تأثرا، ما يجعل البصر يتراجع تدريجيا، ولا يقف تأثير المرض عند البصر فقط.
كان محمد يواجه هذا المصير وحيدا، بينما كانت والدته تبحث عن حلول في كل مكان، قبل أن تصبح المصيبة ثلاث كما تقول الأم.
صدمة ثلاثية تضاعف المأساة
لم تكن الأم تتوقع أن المصير الذي يواجهه محمد ينتظر شقيقيه أيضا، فبينما كانت تنتظر نتائج تحاليل محمد من ألمانيا، كانت الصدمة قاسية عندما أظهرت النتائج إصابة الطفلين الآخرين:
يونس ذو الثلاث سنوات ونصف، وسجدة ذات الخمس سنوات، «النهارده أنا مصيبتي مختلفة… إنا لله وإنا إليه راجعون» تقول الأم بقلب منكسر وتواصل: «النهارده جت لي نتيجة التحاليل من ألمانيا بتاعة ولادي التانيين، طلعوا هم كمان نفس المرض واتشخصوا بنفس المرض».

كانت الأم تعتقد أن كفاحها من أجل طفل واحد، لكنها الآن تواجه «مصيبة» ثلاثة أطفال، «طب سجدة ويونس؟» تتساءل الأم الملهوفة: «أنا ما لحقتش محمد وفقد عين، والتانية هتتفقد هي كمان عشان خلاص بت تراجع هي كمان»، وتضيف بأسى: «دلوقتي بقىوا تلاتة، أعمل إيه بقى في التلاتة؟ حد يقول لي أعمل إيه في التلاتة؟». وتختم حديثها عن الصدمة بقولها: «أسيبهم التلاتة يواجهوا الظلام؟ أعمل إيه؟ أنا ما بيدي حيلة».
دوامة البيروقراطية والإجراءات المعقدة
كشفت الأم أن الحل الوحيد المعتمد عالميا للمرض هو دواء راكسون (Idebenone) ، لكنه غير متوفر في مصر، فتقول الأم: «راكسون الإيدبينون ما بيدخلش مصر يا ريس، علشان ما لوش بروتوكولات في الدولة»، وتضيف أن العلاج يجب أن يتم في مستشفى بالخارج تحت رعاية فريق طبي متخصص في أمراض الميتوكوندريا والعصب البصري.
واستعرضت الأم رحلتها مع الجهات الحكومية:«بقالي سنة بجري في نفقة الدولة والتأمين الصحي ووزارة الصحة ووزارة التضامن الاجتماعي»، لكن كل الطرق باءت بالفشل.. التأمين الصحي – كما تقول – لا يتضمن خدمة السفر للخارج للطلاب في القانون رقم 99 لسنة 1998. أما نفقة الدولة، فتحول المريض للتأمين الصحي، وتعلن أنها لا تغطي حالات التأمين الصحي.
حتى الشكاوى التي قدمتها لرئاسة الوزراء لم تؤت ثمارها، موضحة:«أرجع أروح أقدم شكاوي في رئاسة الوزراء، يخاطبوا الجهات المختصة، الجهات المختصة تقول نفس الكلام، تقوم الشكوى مقفولة»، وتؤكد أن الإجراءات المطلوبة لفتح حسابات للحصول على الدعم «بتقعد من ستة لتمانية شهور لسنة، أنت وحظك على ما تتفتح»، وتتساءل بمرارة: «ليه يا وزارة التضامن الاجتماعي؟ إحنا لا بنمسك فلوس في إيدينا ولا حاجة… ليه بتأجلوا الفتح لما السنة ولا لست شهور ولا ثمان شهور؟».
نداء أخير لكل من يملك قلبا
تختتم الأم استغاثتها برسالة مؤثرة موجهة لكل من يملك سلطة أو رحمة، تناشد الرئيس السيسي أن يتدخل لإنقاذ أطفالها: «يا ريس يا مسؤولين، يا مجتمع مدني، يا رجالة وزارة الصحة، يا رجالة رئاسة الوزراء، يا رجالة التضامن الاجتماعي.. الأطفال دي مصيرهم إيه في دولتهم؟».
وتضيف بقلب أم:«أنا أولادي تحت رحمتك بعد ربنا سبحانه وتعالى، والفيديو ده أمانة لكل واحد بيسمعني وكل واحد بيتفرج عليا ليوم الدين»، وتكرر: «أنا مالاقيش حد غير ربنا وأنتم، اقفوا جنبي في ولادي».
والأكثر مأساوية أن الأم أعلنت عن اكتشافها هي شخصيا إصابتها بالمرض ذاته، الذي يقف وراء تدهور نظرها.
«ده مش قليل عليا أني أطلع أعيط لكم بس أنا ما فيش في إيدي حاجة»..هذه العبارة تلخص حالة اليأس المطلق التي وصلت إليها الأم، التي لم تعد تجد حلا لأطفالها الذين يواجهون مصيرا مجهولا في انتظار إجراءات قد لا تأتي في الوقت المناسب.